ترأس البابا فرنسيس صباح اليوم الأحد الاحتفال بالقداس في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان لمناسبة اليوم العالمي للفقراء.
توقف البابا في عظته عند أفعال ثلاثة قام بها الرب يسوع ويحدثنا عنها الإنجيل. فقد ترك الرب الجموع عندما حاولوا الاحتفاء به بعد أن قام بمعجزة تكثير الخبز، وفيما كان التلاميذ يرغبون في التمتع بهذا المجد طلب منهم المغادرة، وانزوى لوحده صاعدا الجبل عندما راح الناس يبحثون عنه، لكنه ما لبث أن نزل خلال الليل وجاء إلى التلاميذ سائرا على المياه. لفت البابا فرنسيس إلى أن الرب يريد أن يعلمنا شجاعة التخلي عن النجاح الذي يجعل القلب مغروراً وعن الطمأنينة التي تخدّر النفس. إذ لا بد أن يتوجه المرء نحو الله، حيث توجد الكنوز الحقيقية في الحياة. الصعود نحو الله ثم النزول عند الأخوة. هذه هي الدرب التي يدلنا عليها يسوع. وذكّر البابا المؤمنين بأننا لا نعيش لنجمع الثروات إذ ينبغي أن نتخلى عن الأمور العابرة لنتمسّك بما يبقى ويدوم.
أما الفعل الثاني فيتمثّل بسير الرب نحو تلاميذه في عتمة الليل. فقد توجه نحو التلاميذ الغارقين في الظلام وفعل ذلك سائرا على وجه الماء. وأشار البابا إلى أن البحر كان يرمز إلى قوى الشر، وكأن يسوع سار نحو خاصته وهو يدوس أعداء الإنسان الأشرار. وهكذا ندرك أن الرب وحده قادر على التغلّب على أعدائنا الكبار، أي إبليس، الموت والخوف. وأكد البابا فرنسيس أن قارب حياتنا غالبا ما تؤرجحه الأمواج والرياح العاتية، فيتعقد المرء أن تلك العواصف الآنية هي عدوته الوحيدة. بيد أن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية الإبحار في الحياة. ولفت البابا إلى أن السر هنا يكمن في دعوة المسيح للصعود على متن قاربنا كي يقوده. لأنه هو وحده قادر على إعطاء الحياة في الموت والأمل في المعاناة، وحده قادر على مداواة القلب من خلال المغفرة، وتحرير الإنسان من الخوف بواسطة الثقة.
الفعل الثالث الذي قام به الرب في الإنجيل فهو عندما مدّ يسوع يده وأمسك ببطرس الخائف والذي صاح قائلا “يا رب أنقذني”. وقال البابا إنه باستطاعتنا أن نضع أنفسنا مكان بطرس، ونشعر بأننا قليلو الإيمان ونحتاج إلى الخلاص. إننا نفتقر إلى الحياة الحقيقية ونحتاج إلى يد الرب الممدودة لتنتشلنا من الشر. هذه هي بداية الإيمان: أي أن نتخلى عن الاعتقاد بأننا على ما يرام وندرك حاجتنا إلى الخلاص. وشدد فرنسيس أيضا على ضرورة أن يعيش المؤمن إيمانه بتواصل مع المحتاجين، معتبرا أن الموضوع ليس خيارا سوسيولوجياً، بل إنه مطلب لاهوتي.
تابع البابا قائلا إن الرب يسوع لبى نداء بطرس، وينبغي أن نقتدي به ونلبي نداء الأشخاص العائشين وسط الرياح العاتية، صراخ الفقراء، صراخ الأطفال الذين لم يُسمح لهم بأن يُبصروا النور، صراخ الصغار الذين يعانون من الجوع، والفتيان الذين اعتادوا على دوي القنابل عوضا عن الاعتياد على اللعب. صراخ المسنين المقصيين والمتروكين، صراخ من يواجه عواصف الحياة وليس له صديق. صراخ من يُجبر على الهروب وعلى ترك بيته وأرضه دون أن يعلم أين يذهب. صراخ شعوب برمتها حُرمت من الموارد الطبيعية المتاحة أمامها. صراخ العديد من الـ”العازارات” الذين يبكون فيما ينعم البعض بما ينبغي أن يوضع بتصرف الجميع.
وأكد البابا في هذا السياق أن الظلم هو جذر الفقر، لافتا إلى أنه إزاء الكرامة البشرية المداسة غالبا ما يشعر الإنسان بأنه عاجز على التصرف إزاء قوة الشر المظلمة. وشدد على ضرورة ألا يقف المسيحي مكتوف اليدين أمام ما يجري إذ يتعين عليه أن يمد يده للآخر، كما فعل يسوع وأضاف أننا لسنا مدعوين لصنع الخير مع من يحبوننا وحسب، لأن الرب يطلب منا أن نذهب أبعد من ذلك، وأن نحب الآخرين حباً مجانياً. ختاما سأل البابا الرب أن يمد يده إلينا ويعملنا أن نحب كما أحب هو ونعطي مجانا للكل محتاج.
فاتيكان نيوز