احتفل البابا فرنسيس بالقداس في البازيليك الفاتيكانية بحضور أعضاء الجالية الكاثوليكية الكونغولية في إيطاليا وتوقف في عظته عند أهمية زمن المجيء بالنسبة للسنة الليتورجية مطلقاً نداء من أجل السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية كما دعا إلى الانتقال من اقتصاد يخدم الحرب إلى اقتصاد يخدم السلام.
قال البابا إن كلمة مجيء تتحدث عن الرب الآتي وأضاف إن الرب آت وهذه هي جذور رجائنا وجذور الثقة بأن الله يرسل إلينا تعزيته وسط اضطرابات العالم، وهذه التعزية لا تقتصر على الكلام فقط إنما هي حضور، إنها حضور الله الآتي بيننا. بعدها ذكّر البابا المؤمنين بأن هذا الأحد هو اليوم الأول في السنة الليتورجية، ويشكل هذا الإعلان نقطة انطلاقنا، مدركين أن الرب لا يتركنا لوحدنا وسط الصعوبات والمحن. لقد جاء الرب لألفي سنة خلت وهو سيأتي مجددا في نهاية الأزمنة وفي نهاية حياة كل واحد منا. فالرب لم يتعب منا ولن يتعب أبداً، وهو يرغب في المجيء إلينا وفي زيارتنا.
بعدها توجه البابا مباشرة إلى أعضاء الجالية الكاثوليكية الكونغولية المشاركين في القداس وقال إنهم جاؤوا من أرض بعيدة جداً، تاركين بيوتهم وأهلهم وأحباءهم. وصلوا إلى روما فوجدوا الضيافة التي لم تخل من الصعوبات والمفاجئات. وشدد على أن هؤلاء الأشخاص ليسوا غرباء بالنسبة لله، كما أن الكنيسة هي بيت الله وعليهم أن يشعروا فيها أنهم في بيتهم. لكن على الرغم من نور الرب ثمة من يختارون عتمة العالم، ومن يجيبون بـ”لا” على دعوته لهم، مع أن هذا الجواب قد يكون غالباً غير مباشر أو مبطناً. وهذا ما يحذرنا منه الرب في الإنجيل، عندما يطلب من الناس ألا يكونوا كأناس زمن نوح. وتساءل فرنسيس عما حصل في زمن نوح، مشيرا إلى أن الأشخاص لم يصدقوا مجيء الطوفان، ولم يكترثوا سوى للأكل والشرب. فقد اكتفوا بعيش حياة مسطحة وأفقية.
في هذا السياق تطرق البابا إلى الاستهلاكية التي هي بمثابة فيروس يصيب الإيمان من جذوره عندما يعتقد الإنسان أن الحياة تعتمد على الأمور التي يملكها، فينسى الله الذي جاء لملاقاته وينسى الأشخاص المحيطين به. فيقرع الأخ الباب لكنه يزعجنا لأنه يغيّر برامجنا. واعتبر فرنسيس أن الخطر الأكبر الذي يواجهه الإيمان اليوم لا يتمثل في الأعداء الأقوياء والاضطهادات لأن كل هذه الأمور كانت وما تزال موجودة لكنها لا تُضعف الإيمان. إن الخطر الحقيقي هو ما يخدّر القلب: إنه الاعتماد على الاستهلاك، ما يُثقل القلب ويُبعده عن احتياجاته الأساسية. وأشار البابا إلى أن بعض البيوت تمتلئ بالأغراض والسلع لكنها تفتقر إلى البنين، كما أن الإنسان يضيع وقته ولا يجد وقتاً يكرسه لله وللآخرين.
وأضاف فرنسيس أنه عندما يعيش المرء من أجل الأمور المادية لا تكفيه أبداً، إذ ينمو الجشع، ويتحول الآخرون إلى عراقيل في الدرب، ويصير الإنسان مستاءً ويرتفع مستوى الغضب والحقد. ولفت البابا إلى أن هذه العوارض نراها اليوم في البيئات حيث تسيطر الاستهلاكية: فيطغى العنف، حتى إذا كان كلاميا فقط، والغضب والرغبة في البحث عن عدو مهما كلّف الأمر! وفي وقت تملأ فيه العالمَ الأسلحةُ التي تولّد الموت، لا نتنبه للقلوب التي تتسلح بالغضب.
مضى البابا إلى القول إن الرب وإزاء هذا المشهد يطلب منا أن نسهر. والسهر هو واجب الحارس الذي يبقى ساهراً عندما ينام الجميع. السهر هو عدم الاستسلام للنوم وهذا يتطلب منا ثقة راسخة بأن الليل لن يدوم إلى الأبد وأن الفجر سيأتي قريباً. فالرب سيأتي وسيبدد نورُه أحلك الظلمات. لكننا مدعوون اليوم للسهر وعدم الاستسلام إلى تجربة اعتبار أن معنى الحياة يكمن في جمع الممتلكات، علينا أن نقاوم أنوار الاستهلاك التي ستُشع في كل مكان خلال هذا الشهر، علينا أن نؤمن بأن الصلاة والمحبة ليستا مضيعة للوقت إنما أثمن كنز.
هذا ثم أكد البابا أنه عندما نفتح القلب للرب والأخوة، يحلّ الخير الثمين الذي تعجز الأشياء المادية عن توفيره، ويتحدث عنه النبي أشعياء قائلا “فيضربون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل فلا ترفع أمة على أمة سيفا ولا يتعلمون الحرب بعد ذلك”. وقال فرنسيس للمؤمنين الكونغوليين إن هذه الكلمات تحملنا على التفكير بوطنهم، داعيا إلى الصلاة اليوم على نية السلام المهدّد في شرق البلاد خصوصا في منطقتي Beni و Minembweحيث تدور صراعات مسلحة تغذّيها أيضا جهات خارجية وسط سكوت وتواطؤ كثيرين.
في ختام عظته قال البابا للمؤمنين الحاضرين في البازيليك الفاتيكانية إنهم يتذكرون اليوم شخصية رائعة ألا وهي الطوباوية Marie-Clémentine Anuarite Nengapeta التي قُتلت بطريقة وحشية بعد أن قالت لقاتلها إنها تسامحه لأنه لا يدري ماذا يفعل! وأضاف: لنطلب بشفاعتها أن يتم التخلي عن السلاح، باسم الله المحب وبمساعدة الشعوب المجاورة، كي لا يشهد المستقبل مواجهة بين الناس إنما تعاونا، وكي يتم الارتداد من اقتصاد يخدم الحرب إلى اقتصاد يخدم السلام.
أخبار الفاتيكان