قام البابا فرنسيس بزيارة إلى جامعة روما الثالثة حيث التقى رئيس الجامعة والأساتذة والموظفين الإداريين والطلاب. وسلم البابا الحاضرين خطابا استهله شاكراً إدارة الجامعة الفتية على الدعوة التي وُجهت له لزيارة هذا الصرح. وشدد على أهمية التعليم والتنشئة الأكاديمية بالنسبة للأجيال الفتية، لأنهما يشكلان متطلبا أساسيا لحياة المجتمع ونموّه. هذا ثم أشار البابا إلى أن المجتمع الإيطالي يتنعم بالخيرات وأعمال التضامن والمحبة تجاه القريب، وتوجّه إلى الطلاب لافتا إلى وجود العديد من هؤلاء الشبان والشابات الملتزمين في مجال العمل التطوعي وخدمة الأشخاص الأشد عوزا وحاجة.
بعدها أكد البابا فرنسيس أن عالمنا المعاصر يعاني من أشكال متعددة من العداوة والعنف. وتوقف في هذا السياق عند رسالته لمناسبة اليوم العالمي للسلام في الأول من كانون الثاني يناير 2017 التي سلط فيها الضوء على اللاعنف وأهميته بالنسبة للحياة والنشاط السياسي. وعاد البابا ليؤكد أننا نعيش اليوم حربا عالمية مجزّأة إذ توجد صراعات تُدمي مناطق عدة على سطح الأرض وتهدد مستقبل أجيال برمتها. وتساءل فرنسيس لماذا تعجز الجماعة الدولية عن وضع حد لهذه الصراعات المسلحة، ولماذا تُعطى المصالح الاقتصادية والاستراتيجية أهمية أكبر من المصلحة العامة والسلام. واعتبر البابا أن الجامعة تشكل مكانا مميزا لتنشئة الضمائر.
وانتقل البابا بعدها إلى الحديث عن صناعة الأسلحة وقال إن الحديث عن نزع السلاح يدور منذ عقود طويلة وقد تم اتخاذ خطوات هامة على هذا الصعيد لكن على الرغم من ذلك، هناك بلدانا عديدة اليوم تقوم بزيادة نفقاتها العسكرية وهذا الأمر – تابع البابا يقول – يحصل في عالم ما يزال يكافح ضد الجوع والأمراض. من هذا المنطلق توجه البابا إلى الطلاب الجامعيين ومن خلالهم إلى الشبيبة مسلطا الضوء على أهمية ألا يفقدوا الرجاء والشجاعة أبدا، لافتا إلى أن فقدان الرجاء يؤدي إلى فقدان الحياة. وحذّر الجميع من خطر الأشخاص الذين يبيعون الأوهام والأمور التي تعطي السعادة الموقتة، وتُدخل الإنسان في طريق مسدود، وتُفقده المستقبل. ولفت البابا إلى أن الإدمان على هذه الأمور يقضي على الذهن والنفس والجسد تماما كالقنابل التي تقتل الإنسان. وذكّر البابا الجامعات بمسؤوليتها في توعية الأشخاص على مخاطر الإدمان، لاسيما الإدمان على لعب القمار.
هذا ثم اعتبر البابا أن الجامعة يمكنها أن تطلق مشاريع من المشاركة وخدمة الفقراء والمحتاجين، كي ينمو في مدينة روما شعور الانتماء إلى وطن مشترك. وذكّر فرنسيس بوجود حالات كثيرة من الفقر والعوز تحاكي ضمائرنا اليوم وقال إنه يفكر بالأشخاص المشردين الذين يبيتون في الطرقات وبالمهاجرين وبمن هم بأمس الحاجة إلى اللباس والطعام والانخراط في المجتمع شأن الخارجين من السجون. وأكد أنه من خلال الاستجابة إلى هذه الاحتياجات كلها نتمكن اليوم من مواجهة ثقافة الإقصاء والتهميش ونقوم بعمل بنّاء في المجتمع ونعزز التضامن ونعيد إلى هؤلاء الأشخاص ثقتهم بالحياة.
لم يخلُ خطاب البابا فرنسيس في جامعة روما الثالثة من الإشارة إلى الصعوبات التي تحملها معها كل التغيرات في التاريخ، ومن بينها الألم والتعب لكن حقبة التغيير هذه تحمل معها أيضا آفاقا للخير! وأكد في هذا السياق أن التحوّلات الكبيرة تتطلب منا اليوم أن نعيد النظر في نماذجنا الاقتصادية والثقافية والاجتماعية من أجل استعادة القيمة المركزية للشخص البشري. وفي رد على سؤال أحد الطلاب بشأن مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها في عالم اليوم، شدد البابا فرنسيس على ضرورة أن ينظر الشخص إلى ما هو جيد في هذه الوسائل وما يرتكز إلى القيم المتعلقة بالنظرة إلى الإنسان والعالم، نظرةٌ تأخذ في عين الاعتبار أبعاد الإنسان كافة، لاسيما البعد المتسامي.
بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن الإنجيل الذي يشكل قوة للتغيير الشخصي الحقيقي، وقال إن المسيح يأتي إلى الشخص ويفتح أمامه آفاقا واسعة ويبدل حياته. إنه يملأ قلب المؤمن بالفرح ويعطي للحياة معنى. يصير رفيق الدرب ولا يخيّب الآمال على الإطلاق ولا يخون أبدا. وحثّ البابا الحاضرين على عدم الخوف من الانفتاح على آفاق الروح القدس، وعلى عدم الخوف من الانفتاح على اللقاء مع المسيح عندما ينالون عطية الإيمان، لأن الإيمان عطية. وأكد البابا أن الصعوبات لا تزال مع يسوع إنما تُجابه بطريقة مختلفة بلا خوف ورياء، إنها تُواجه بالنور والقوة المتأتيين من عند الرب.
في ختام خطابه إلى أساتذة وموظفي وطلاب جامعة روما الثالثة، أكد البابا فرنسيس أن الجامعة يمكن أن تصير أيضا مكانا تنمو فيه ثقافة التلاقي وحسن الضيافة حيال الأشخاص المنتمين إلى ثقافات وديانات مختلفة واعتبر البابا أن أول تهديد يُحدق اليوم بالثقافة المسيحية الأوروبية لا يأتي من الخارج بل من داخل أوروبا نفسها معتبرا أن الثقافة تتعزز وتنمو من خلال الانفتاح والحوار مع الثقافات الأخرى شرط أن تحافظ على إدراك واضح وناضج لمبادئها وقيمها. وأكد أننا مدعوون اليوم إلى فهم وتقدير قيم الآخر وتخطي تجربة اللامبالاة والخوف وقال: لا تخافوا من التلاقي والحوار. هذا ثم شكر البابا الحاضرين على هذا اللقاء وتمنى أن ينير الرجاء درسهم والتزاماتهم ومنح كل الحاضرين وعائلاتهم بركاته الرسولية.
هذا وكان البابا فرنسيس قد أجاب على أسئلة طرحها عليه بعض الطلاب الجامعيين ومن بينهم شابة سورية تُدعى نور، قدمت إلى روما من جزيرة ليسبوس اليونانية مع البابا فرنسيس خلال زيارته إلى الجزيرة في أبريل نيسان من العام الماضي. وقال البابا إنه يتذكّر جيدا اليوم الذي جاءت فيه نور إلى إيطاليا وذكّر بوجود أشخاص كثيرين يهربون من الجوع والحروب معتبرا أن إيجاد حل لأزمة اللاجئين يتطلب إحلال السلام وإنهاء الحروب. وأشار في الوقت نفسه إلى ضرورة أن يُعامل المهاجرون واللاجئون كأخوة وأخوات لنا لافتا إلى ضرورة أن يقدم كل بلد الضيافة لهؤلاء الأشخاص وفقا للإمكانات المتاحة لديه. وفي الختام عاد ليذكر جميع العاملين في البيئة الجامعية بضرورة تعزيز الحوار ضمن الاختلافات.
إذاعة الفاتيكان
الرئيسية | أخبار الكنيسة | البابا يزور جامعة روما الثالثة ويقول إن الجامعة يمكن أن تصير مكانا تنمو فيه ثقافة التلاقي وحسن الضيافة حيال المنتمين إلى ثقافات وديانات مختلفة