استقبل قداسة البابا فرنسيس في قاعة بولس السادس بالفاتيكان أعضاء الإتحاد الإيطالي للحائزين على وسام استحقاق خاص بالعمل بمناسبة مؤتمرهم الوطني وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال مهمّة جدًّا هي المساهمة التي قدمتموها للنمو في إطار إجتماعيّ أكثر إدماجًا وكرامة للجميع، وبهذا الشكل يمثل اتحادكم مثال التزام وخدمة للخير العام.
تابع الأب الأقدس يقول منذ الرسالة العامة التاريخيّة “الشؤون الحديثة” للبابا لاوون الثالث عشر وضعت العقيدة الاجتماعيّة للكنيسة العمل في محور المسائل المتعلِّقة بالمجتمع. إن العمل في الواقع هو في جوهر الدعوة التي أعطاها الله للإنسان لكي يتابع عمل الخلق ويحقق من خلال مبادرته الحرّة وحكمه سلطانًا على الكائنات الأخرى يُترجم في تناغم واحترام. نحن مدعوون لتأمّل جمال هذا المشروع الإلهي الذي يقوم على التوافق بين الكائنات البشريّة والكائنات الحيّة الأخرى والطبيعة. في الوقت عينه ننظر بقلق إلى الوضع الحالي للبشريّة والخليقة المطبوعتان في العمق بعلامات الخطيئة والعداوة والأنانيّة. كم من الأشخاص يبقون مقصيين عن التقدّم الاقتصادي! كم من إخوتنا يتألّمون لأنّهم يُسحقون تحت العنف والحروب أو انحلال البيئة الطبيعي. لا ينبغي للضعف والألم اللذين يتعرّض لهما العديد من الأشخاص أن يتركانا خامدين وغير مبالين، بل ينبغي أن نصبح قادرين على التعرُّف عليهما في وجوه الإخوة ونسعى لتخفيفهما.
أضاف الحبر الأعظم يقول إنَّ الرجاء في مستقبل أفضل يمرُّ على الدوام عبر النشاط الشخصي والمبادرة الشخصيّة وبالتالي عبر العمل. في الواقع لا وجود لأي ضمانة اقتصاديّة بإمكانها أن تؤمِّن ملء الحياة والتحقيق الشخصي، ولذلك فالمجتمع الذي لا يقوم على العمل أو لا يعززه بشكل ملموس ولا يهتمُّ بالمهمّش يحكم على نفسه بالضمور وازدياد عدم المساواة. أما المجتمع الذي يحاول أن يستعين بقدرات كل رجل وامرأة فسيتنفّس برئتين حقًّا وسيتمكّن من تخطّي العوائق الكبيرة مُستقيًا من رأسمال بشري لا ينضب وجاعلاً من كلِّ شخص صانعًا لمصيره بحسب مخطط الله.
تابع البابا فرنسيس يقول لقد ربطّتم، خلال نقاشكم في المؤتمر في هذه الأيام، موضوع العمل بالإرث الإيطالي الغني على الصعيد البيئي والفني والثقافي والذي يشكل الخير المشترك الأثمن للبلاد. في الواقع تعيش كنوز الماضي عبر الزمن بفضل عناية الذين أوكِلَت إليهم، وواجبكم الأخلاقي والمدني أيضًا هو أن تنشروا وتعززوا وتوسِّعوا العناية بهذا البلد الجميل. من خلال متابعتكم لهذا الهدف تظهر أولاً المسألة الأخلاقيّة محور حياة اتحادكم الذي يجد الإلهام في قيم الصدق والمسؤوليّة والشفافيّة ويقترح بأن يعيش ويشهد لهذه المبادئ وينشرها في الإطار الاجتماعي بأسره لاسيما في إطار العمل. وللقيام بذلك أي للشهادة للقيم البشريّة والإنجيليّة في كل إطار ومناسبة من الأهميّة بمكان أن يكون هناك توق إلى الصدق في حياتكم؛ وهناك حاجة لفهم حياتكم بكاملها كرسالة.
أضاف الأب الاقدس يقول من خلال روح التضحية هذا فقط وإن كانت محبّة الإخوّة تتّقد في داخلنا ستكون شهادتنا فعالة فعلاً وقادرة، بواسطة المحبّة، على إشعال عالمنا بأسره. “جِئتُ لأُلِقيَ على الأَرضِ ناراً، وما أَشدَّ رَغْبَتي أَن تَكونَ قدِ اشتَعَلَت” (لو ١٢، ٤۹) يقول يسوع للتلاميذ، وهذه الشعلة توكل اليوم إلينا، واُعطي لنا روح الرب، روح القوّة والقداسة والرحمة “فها هُوَذا الآنَ وَقتُ القَبولِ الحَسَن” (٢ كور ٦، ٢).
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول لتكن لنا تطويبات يسوع المرشد في هذه المسيرة الصعبة ولتحملنا لننظر على الدوام بحبٍّ إلى يسوع الذي جسّدها في شخصه ولتُظهر لنا أنَّ القداسة لا تتعلَّق بالروح وحسب وإنما بالرجلين أيضًا لنذهب نحو الإخوة وباليدين لنتقاسم معهم؛ ولتعلّمنا وتعلّم عالمنا ألا نشكَّ وألا نترك عرضة للأمواج من يترك أرضه بحثًا عن الخبز والعدالة، ولتحملنا لكيلا نعيش من الفائض ولكي نبذل ذواتنا في سبيل تعزيز الجميع ولكي ننحني بشفقة على الأشدَّ ضعفًا.
إذاعة الفاتيكان