استقبل البابا فرنسيس صباح الخميس في الفاتيكان أعضاء المعهد الحبري للقديس يوحنا نيبوموك ووجه لضيوفه خطابا تمنى فيه أن يبقى المعهد بيتاً ومدرسة للحرية الداخلية المرتكزة إلى العلاقة مع المسيح ومع الروح القدس، داعيا إلى العمل على بناء الجسور حيث توجد الانقسامات.
استهل البابا كلمته مرحباً بالحاضرين وشاكراً رئيس المعهد على الكلمة التي وجهها باسم الجميع، وقال إنه يود أن يتطرق إلى بعض الأفكار انطلاقاً من الشهادة التي قدمها شفيع المعهد، القديس يوحنا نيبوموك، والتي تشكل جذوراً قوية وحية، قادرة على تغذية حاضر الجماعة ومستقبلها، تماما كما حصل في الماضي. ولفت الحبر الأعظم إلى أن هذا القديس قُتل لأنه قرر أن يبقى أميناً لسر الاعتراف، فقد قال “لا” للملك ليقول “نعم” للمسيح والكنيسة.
وأضاف فرنسيس أن هذا الأمر يحملنا على التفكير بما عاناه العديد من الكهنة والأساقفة على مر التاريخ في ظل الأنظمة السلطوية والتوتاليتارية. وهذا ما حصل بالنسبة للمعهد الحبري خلال السنوات الأربعين التالية للحرب العالمية الثانية. وشاء هنا البابا أن يحيي ذكرى العديد من الكهنة والأساقفة الذين تمكنوا، بنعمة الله، من أن يقولوا “لا” للأنظمة الحاكمة ليبقوا أمناء لدعوتهم ورسالتهم.
تابع البابا قائلا إن جذور الشجاعة والحزم الإنجيلي – التي تعود إلى القديس الشفيع – ينبغي ألا تتحول إلى شعار يُعلق على الحائط، أو تُحفة توضع في المتحف، إذ لا بد أن تبقى جذوراً حية لأن ثمة حاجة إليها اليوم أيضا. وأضاف فرنسيس أن كون الشخص مسيحياً أو خادما للكنيسة في أوروبا وفي مناطق عدة من العالم، يعني أن يقول: “لا” لقوى هذا الدهر، و”نعم” للإنجيل. وهذه القوى قد تكون سياسية أو إيديولوجية أو ثقافية ويتم بثها من خلال وسائل التواصل القادرة على ممارسة الضغوط وابتزاز الأشخاص وعزلهم.
هذا ثم لفت الحبر الأعظم إلى أن شهادة القديس يوحنا نيبوموك تذكّرنا اليوم بتفوق الضمير على أي سلطة أخرى دنيوية، وبتفوق الكائن البشري وكرامته غير القابلة للتصرف التي ترتكز إلى الضمير المنفتح على المتسامي. وتمنى البابا أن يبقى المعهد الحبري، الذي يحمل اسم هذا الكاهن والشهيد العظيم من بوهيميا، بيتاً ومدرسة للحرية الداخلية المرتكزة إلى العلاقة مع المسيح ومع الروح القدس.
مضى البابا إلى القول إن القديس يوحنا نيبوموك هو أيضا “حامي الجسور” مشيرا إلى أنه بغية إحياء ذكراه لا بد من السعي إلى بناء الجسور حيث توجد الانقسامات، والمسافات وسوء الفهم. بل ينبغي أن نكون نحن بأنفسنا جسوراً وأدواتٍ متواضعةً وشجاعة للقاء والحوار بين الأشخاص والجماعات المختلفة. وهذه صفة من صفات خدام المسيح، كما يظهر في سيرة حياة العديد من الأساقفة والكهنة القديسين، الذين كانوا صانعين للسلام والمصالحة في أوضاع الصراع.
وأكد الحبر الأعظم بعدها أن هذه الجهود لا تتحقق بمعزل عن الصلاة، لأن الجسور تُبنى بدءاً منها ومن قرع باب قلب المسيح بإصرار. والصلاة – كما قال الكاردينال مارتيني – هي “صرخة للتشفع”، وتكتسب اليوم أهمية كبرى إزاء الحرب الدائرة في أوكرانيا. وشدد البابا بعدها على أن المسيح هو الجسر، وهو سلامنا إذ هدم جدار العداوة. ولا بد أن نوجّه الأشخاص والعائلات والجماعات نحوه على الدوام، متفادين أن نكون نحن في المحور. وهذا ما نفعله في حياتنا اليومية من خلال الاحتفال بالقداس. ودعا البابا ضيوفه إلى الهروب دوماً من تجربة الظهور.
ختاماً قال البابا إن التنوع الذي يميز أعضاء المعهد القادمين من بلدان مختلفة يمكن أن يساعدهم على أن يكونوا جسوراً وخداماً لثقافة اللقاء، لافتا إلى أن هذا التنوع الذي يميز المعاهد الحبرية في روما هو نتيجة للنقص في الدعوات في أوروبا ويمكن أن يتحول إلى مصدر غنى إذا ما تمت إدارته بشكل جيد. هذا ثم منح البابا ضيوفه بركاته الرسولية وطلب منهم أن يصلوا من أجله.