القراءات الثلاث التي تليت هذا الأحد تظهر لنا رحمة الله وأبوته اللتين ظهرتا بيسوع. في خضم الأزمة العالمية، وترحيل الشعب من قبل أعدائه يعلن النبي إرميا أن الرب خلص شعبه ولماذا؟ لأنه أب وكأب هو يهتم بأولاده ويرافقهم على الطريق النساء والأطفال والعميان…أبوته تفتح لهم طريقاً الى الأمام طريق للمواساة بعد الدموع والحزن. إن ظل الشعب أميناً وإن ثابر على البحث عن الله فسيفك بدوره أسره الى حرية ويحول وحدته الى اتحاد.
يشرح البابا أن المؤمن هو الذي اختبر فعل الله الخلاصي في حياته ورعاة الكنيسة هم من اختبروا نتيجة الزرع بالدموع بالحصاد الذي هو أقوى من امكانياتهم وقدراتهم. فصل الرسالة الى العبرانيين يبين لنا رحمة يسوع الكاهن الأعلى المقدس والبريء، الكاهن الأعلى الذي أخذ على عاتقه ضعفنا وشابهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة لذلك هو وسيط الوعد النهائي الجديد الذي يجلب لنا الخلاص. يرتبط إنجيل اليوم وفق البابا، بالقراءة الأولى فكما تحرر شعب اسرائيل بفضل أبوة الله تحرر برتلماوس بفضل رحمة يسوع، غادر يسوع أريحا بادئاً رحلته الأهم الى أورشليم ورغم ذلك توقف لسماع صرخة برتلماوس، فلقد لمسته فلم يقبل أن يمنحه مساعدة فحسب بل أراد أن يقابله، لم يعطه يسوع أي تعليمات بل سأله فقط: “ماذا تريد مني ان أصنع لك؟” قد يبدو هذا السؤال من دون معنى فماذا قد يريده الرجل الأعمى؟ ولكن هذا السؤال الذي وجهه اليه يسوع وجهاً لوجه يثبت أنه يود أن يصغي الى احتياجاتنا، ويريد أن يتكلم مع كل واحد منا عن حياتنا، ووضعنا الحقيقي، فلا نخفي أي شيء عنه. بعد أن شفى الأعمى قال له: “اذهب ايمانك خلصك!” من الجميل أن نرى كيف أن يسوع يعجب بإيمان برتلماوس وكيف يثق به، هو يثق بنا أكثر مما نثق بأنفسنا.
شدد الأب الأقدس على تفصيل آخر وهو أن يسوع طلب من تلاميذه أن يدعوا برتلماوس فماذا قالوا له؟ توجهوا له بكلمتين. الأولى، تشدد، أي تشجع، ووحده اللقاء مع يسوع يعطينا الشجاعة والكلمة الثانية قم، وهي الكلمة التي يقولها يسوع تقريباً لكل من أخذه بيده وشفاه. هذا ما يدعى اليه اليوم تلاميذ الرب أن يقودوا شعبه الى رحمته التي تخلصهم. ونحن من جهتنا كلما مررنا بأوقات ضيق ما علينا سوى أن نجعل من كلام يسوع كلامنا، هذا الزمن هو زمن رحمة!
أما الذين يتبعون يسوع فبالطبع يقعون في التجربة ويتحدث عنهم الإنجيل فمثلا لم يتوقف تلاميذ يسوع مثله بل استمروا بالسير وكأن شيئاً لم يحصل فإن كان برتلماوس أعمى هم كانوا صم ولا شأن لهم بمشكلته وهذا الأمر خطير علينا: بوجه المشاكل نتقدم بدلا من أن نزعج أنفسنا بما يحصل، وهنا نكون على مثال التلاميذ مع يسوع ولكننا لا نتصرف مثله، نحن في مجموعته ولكن قلوبنا مقفلة. نحن نتحدث عنه ونعمل لأجله ولكن نعيش بعيداً من قلبه، هذه هي التجربة، نسير في صحراء العالم من دون أن نرى ما يوجد هناك فعلاً، بل نرى فقط ما نود رؤيته.
التجربة الأخرى، يتابع الأب الأقدس، هي أن نقع في إيمان مبرمج، نسير مع شعب الله ولكننا نملك برنامجاً خاصاً بمسيرتنا، وعلى الجميع أن يلتزم بخطواتنا لأننا نعلم كل شيء. نبتعد عن كل من يزعجنا كما أبعد التلاميذ الأطفال عن يسوع ولم يصغوا الى الرجل الأعمى…
أخيراً تبع برتلماوس يسوع فلم يشف فحسب بل انضم الى الجماعة التي تسير مع يسوع، وهنا توجه البابا بكلمة الى آباء السينودس قائلاً: “لقد سرنا معاً، شكراً لكم على الطريق الذي سلكناه وعيوننا شاخصة نحو يسوع وإخوتنا وأخواتنا لنعلن سر المحبة العائلية. فلنتبع الطريق الذي يريده الرب، ولنسأله أن ينظر الينا بنظرته الشافية…”
وطنية