إن المؤسسة الموضوعة في خدمة الكرسي الرسولي منذ أكثر من أربعمائة عام سيتغيّر اسمها وحسب ولن يطرأ أي تغيير على هويتها أو تركيبتها أو رسالتها مع العلم أن الأرشيف يحتوي على كنز من الوثائق البالغة الأهمية بالنسبة للكنيسة والثقافة الكونية على حد سواء. أوضح فرنسيس في الإرادة الرسولية أن كلمة “سري” كانت تتضمن معنى مختلفا لدى إنشاء هذا الأرشيف من قبل البابا بولس الخامس في العام 1612 والمقصود كان أنه خاص وينحصر بالبابا وحسب. وقد اعتمد كل البابوات وكل العلماء والباحثين التسمية نفسها على مدى القرون الأربعة الماضية.
ورأى فرنسيس أن المعاني التي تحملها كلمة “سرّي” تبدلت مع مرور الزمن لاسيما مع دخول كلمة secretum اللاتينية إلى اللغات الحديثة وقد ولد هذا التعبير سوء فهم والتباسات وغموضاً، وحمل صبغة سلبية في بعض الأحيان. ولفت البابا إلى أنه مع مرور الزمن ضاع تدريجياً المعنى الحقيقي لهذه العبارة التي لم تعد تعني “خصوصي” أو “خاص بالبابا”. وشدد فرنسيس أن التسمية الجديدة أي “الأرشيف الرسولي الفاتيكاني” تسلط الضوء على الرباط الوثيق القائم بين الكرسي الرسولي وهذا الأرشيف الذي يشكل أداةً لا غنى عنها بالنسبة للخدمة البابوية. وفي الوقت نفسه يدل على كون هذا الأرشيف متصلا مباشرة بالبابا، تماما كما هي الحال بالنسبة للمكتبة الرسولية الفاتيكانية.
تمتد رفوف هذا الأرشيف على طول خمسة وثمانين كيلومتراً، ويتواجد على طبقتين تحت الأرض، وبالتحديد تحت ساحة “كوز الصنوبر” في المتاحف الفاتيكانية. وتغطي الوثائق المحفوظة في الأرشيف فترة زمنية تصل إلى اثني عشر قرناً تقريباً، ما بين القرن الثامن والقرن العشرين. في العام 1881 قرر البابا لاوون الثالث عشر أن يفتح باب هذا الأرشيف أمام العلماء والباحثين، فأصبحت هذه المؤسسة مركزاً للبحوث التاريخية، وهو من أهم المراكز في العالم. في العام 1702 كتب الفيلسوف وعالم الرياضيات الألماني Gottfried Wilhelm von Leibniz أن الأرشيف الفاتيكاني يُعتبر الأرشيف المركزي للقارة الأوروبية.
بموجب الإرادة الرسولية قرر البابا فرنسيس أن يفتح الأرشيف أمام الباحثين والمؤرخين حول العالم بدءا من الثاني من آذار مارس من العام 2020 بعد عام تحديدًا على الذكرى الثمانين لانتخاب أوجينيو باتشيللي حبرًا أعظم. وهذا القرار يشمل كل الوثائق التي تصل إلى نهاية حبرية البابا بيوس الثاني عشر في العام 1958. وقد أعلن فرنسيس عن قراره هذا في الرابع من شهر آذار مارس المنصرم خلال استقباله المسؤولين عن الأرشيف الفاتيكاني.
وأشار البابا في تلك المناسبة إلى أنه برغبة من البابا بندكتس السادس عشر، يعمل مسؤولو وموظفو أرشيف الفاتيكان السري، وأيضًا الأرشيف التاريخي للكرسي الرسولي ودولة حاضرة الفاتيكان، منذ العام 2006 وحتى اليوم، في مشروع مشترك لجرد وتحضير الوثائق الكثيرة الصادرة خلال حبرية بيوس الثاني عشر، والتي قد مكّن كل من البابا بولس السادس والبابا يوحنا بولس الثاني من الاطلاع على جزء منها، وشكر البابا فرنسيس الجميع على العمل الصبور والدقيق الذي تمّ القيام به خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، والذي يتواصل لإنهاء عملية التحضير هذه. وأضاف البابا في كلمته إلى المسؤولين عن الأرشيف الفاتيكاني أن عملهم يتم في الصمت وبعيدًا عن الصخب، وأشار إلى أنه يمكن تشبيهه بمعنى ما بزرع شجرة كبيرة، أغصانها ممتدة نحو السماء، إنما جذورها راسخة بقوة في الأرض.
أخبار الفاتيكان