استقبل البابا فرنسيس في قاعة الكونسيتوار بالفاتيكان جماعة المعهد الدولي لليسوعيين في روما ووجه لضيوفه الستين خطابا مسهباً استهله مرحبا بهم ومعربا عن سروره للقائهم في وقت يُحيي فيه هذا المعهد الذكرى السنوية الخمسين لتأسيسه برغبة من الرئيس العام الأسبق للرهبنة اليسوعية بيدرو أوربيه في العام 1968.
أكد البابا أن هذا اليوبيل يشكل سنة نعمة بالنسبة لطلاب المعهد وهو أيضا فرصة ملائمة ليتذكر هؤلاء الرجال الذين وضعوا أنفسهم في خدمة الكنيسة الكاثوليكية. وشدد على ضرورة أن يقول هؤلاء الأشخاص المكرسون كلمة “لا” لتجربة العيش من أجل أنفسهم وحسب، إذ ينبغي أن يقتدوا بمثل المسيح الذي جاء إلى هذا العالم ليَخدم لا ليُخدم. وذكّر البابا الحاضرين بأهمية أن يبنوا أساساتهم على الله، كما كان يقول القديس فرنسيس كسفاريوس الذي تحتفل الكنيسة بعيده اليوم، ولفت فرنسيس إلى أن ضيوفه يقيمون في البيت الذي عاش فيه القديس أغناطيوس دي لويولا ومنه أوفد أول المرسلين إلى مختلف أنحاء العالم.
بعدها تطرق البابا إلى أهمية النمو على غرار النبتة التي تنمو من الجذور، وهذه الجذور تحمل النبتة مع أنها لا تُرى. وبهذه الطريقة يستمد الإنسان قوته من الله ويتسع قلبه للجميع، وذكّر ضيوفه بكلمات القديس بولس الرسول الذي قال عن نفسه “الويل لي إن لم أبشر”. ولفت البابا في هذا السياق إلى أنه لا يوجد نمو بدون أزمة، كما لا ينمو الثمر بدون ريّ، ولا يوجد ظفر بدون نضال. وهذا الأمر يتطلب أن يكافح الإنسان المكرس ضد كل الأمور الدنيوية لأنها إذا ما وصلت إلى القلب تقضي على الثمر وعلى النبتة بأسرها.
هذا ثم أشار البابا إلى شكلين من أشكال النمو ألا وهما النمو في الحرية والطاعة. وقال إن هاتين الفضيلتين تتقدمان إذا ما سارتا جنبا إلى جنب. وأكد أن الحرية جوهرية لأنه حيث يوجد روح الرب توجد الحرية، كما يقول القديس بولس الرسول. فروح الله يخاطب كل واحد منا بحرية من خلال المشاعر والأفكار ولا بد أن يُفتح له القلب، ونسير وراءه كأبناء أحرار لا كعبيد. وتمنى البابا أن يبقى ضيوفه أبناء أحرارا، متحدين بالتنوع، ويكافحون يوميا من أجل تحقيق الحرية الأكبر: أي التحرر من الذات. وأضاف أن الصلاة تلعب دورا هاما في هذا المجال، وهذا هو الإرث الذي تركه الرئيس العام الراحل أروبيه. أما فيما يتعلق بالطاعة فأشار فرنسيس إلى أهمية أن نكون مطيعين للآب، كما كان يسوع مطيعا لأبيه السماوي.
وذكّر البابا بعدها بأن الكاهن اليسوعي مدعو للارتكاز إلى الله والنمو وصولا إلى مرحلة النضوج. ولفت إلى أن النضوج لا يتحقق على صعيد الجذور أو الجذع، إنما يتم من خلال إعطاء الثمار التي تُخصب الأرض بدورها بواسطة بذور جديدة. وتلعب الرسالةُ في هذا الإطار دورا مهما، لأنها تتطلب أن نضع الذات بالكامل في خدمة العالم الذي أحبه الله. كما أن الرسالة تتغذى من الشغف والانضباط في الدراسة، وطلب فرنسيس من ضيوفه ألا يخافوا من المعاناة التي يشهدونها، داعيا إياهم إلى حملها أمام المصلوب وبهذه الطريقة ينضج أيضا الصبر والرجاء، اللذين هما توأمان. وقال: لا تخافوا من البكاء عندما تواجهون أوضاعا صعبة، لأن الدموع هي قطرات تروي الحياة، كما أن دموع الرأفة تنقّي القلب والمشاعر. ختاما سأل البابا فرنسيس الله أن يبارك جماعة المعهد الدولي لليسوعيين في روما ويساعدهم على النمو والنضوج من أجل مجده، وطلب منهم أن يصلوا من أجله.
فاتيكان نيوز