لم تلحظ القرارات الأخيرة للتربية أي توجه لخفض محاور مادة التاريخ في التعليم بمرحلتيه الأساسي والثانوي، بخلاف ما تعرضت له المواد الأخرى. ذلك أن هذه المادة ومنهجها لا تزال موضع جدل وخلاف بعدما توقف البحث فيها منذ عام 2010، أي منذ أن وضعت مسودة منهج شامل لمادة التاريخ بالاتفاق بين الفرقاء السياسيين.
لم يتح، منذ ذلك الوقت اي تعديل في تعليم التاريخ، ذلك أمر مستحيل، على رغم أن المدارس الرسمية تلتزم بكتاب التاريخ الذي يصدره المركز التربوي للبحوث والإنماء، فيما المدارس الخاصة تلتزم المنهج القديم بكتب تختارها، للمراحل الدراسية، باستثناء تلامذة الشهادتين المتوسطة والثانوية بفروعها الأربعة. وعلى رغم ذلك ظهرت مبادرات محلية، وأخرى محلية دولية تسعى لتدريب المعلمين لمساعدة تلامذة المرحلة الثانوية على استنباط قراءات جديدة للتاريخ، وذلك من خلال ورش لتنمية مهارة البحث عن موضوعات خلافية وتحليل أسبابها وآثارها على هويتهم. ومن هذه المبادرات ما كشف في المؤتمر الذي نظمه أخيراً المركز التربوي للبحوث والإنماء بالشركة مع المجلس الثقافي البريطاني في لبنان ومعهد المواطنة وإدارة التنوع في مؤسسة “أديان”، بعنوان: “تعليم التاريخ في لبنان: الواقع الراهن خبرات وتطلعات”. وإذ تبدو إشكالية تعليم التاريخ في لبنان أكثر تعقيداً من غيرها، تأتي مؤسسة أديان، فتطور مع المركز التربوي ووزارة التربية، استراتيجية وطنية لتطوير التربية على المواطنة الحاضنة للتنوع في المناهج الرسمية، بدعم من الحكومة البريطانية، فتضع بداية منهاجاً رديفاً، بدأ بالفلسفة والحضارات وكتبه وخدمة المجتمع والتربية المدنية، لتتحول الى البحث والتفكر في مادة التاريخ، وهو أمر يطرح على بساط البحث، الإشكالية التي لم تجد طريقها الى الحل، على رغم كل البحوث التي أجريت والنقاشات التي لم تحسم وضع منهج لمادة تاريخ موحدة على مستوى لبنان.
لا يدخل مشروع “أديان” للتاريخ المدعوم بريطانياً في المنهاج الدراسي، بخلاف مادتي الفلسفة والتربية ومنهاجهما، حيث تم اقتراح تغييرات وإدخال تعديلات في المركز التربوي بمشاركة المؤسسة، على رغم اعتراضات كثيرة، تدعو الى استطلاعات في المدارس والأساتذة للسير في المشاريع الجديدة وجدواها، لكن مادة التاريخ تبقى موضع خلاف لا يمكن حله بمؤتمر أو مشروع، وهو ما تأخذه المؤسسة بالاعتبار، حين أعلنت في المؤتمر أن الموضوع مطروح للتفكر، ولا يدخل في المنهاج، باستثناء تدريب المعلمين على تعليم المادة، ومساعدة التلامذة على البحث والغوص في قراءات مختلفة للتاريخ، وهو ما يجري في المدارس على شكل نشاطات على هامش الحصص الدراسية، خارج المنهاج والكتب. وقد انطلق المشروع المدعوم بريطانياً في لبنان عام 2014 وانخرطت فيه تلامذة من أكثر من 30 مدرسة رسمية وخاصة، قاربوا دروساً نموذجية تتعلق بالنزاعات التاريخية في بلدان عدة، أوضاعها شبيهة بلبنان، وقرأوا حوادثها من وجهة نقدية.
لكن قراءة التاريخ اللبناني للمساعدة في طريقة تعليمه، تحتاج لنقاشات أكثر شمولاً، ولقرار سياسي يحدد طريق منهاج التاريخ، لتكون المادة لاحقاً مفتوحة على تنمية الحس النقدي عند التلامذة، وتحفيزهم على بناء روايتهم الخاصة، على الأقل كما يحصل في المنهاج الفرنسي الذي يعطي التلميذ مساحة للتفكير في التاريخ وحوادثه. وكي لا يكون التفكر في التاريخ في وقت ضائع، فليفتح الأمر على طريقة مختلفة في التفكير، تقوم على الاستطلاعات والتواصل مع كل المعنيين، حتى لا يقال إن جهة واحدة تحدد مسار تعديلات المناهج.
النهار