لا يمكن أن يمرّ الأوّل من أيلول من دون أن نعود الى ذاكرتنا التاريخيّة ونتوقّف عند تاريخ 1 أيلول 1920 الذي يشكّل منعطفاً في مسيرة تكوين لبنان، أو بالأحرى محطّة كلّلت جهود اللبنانيين بكلّ طوائفهم، وتضحياتهم في سبيل نشوء الكيان اللبنانيّ المستقلّ منذ الأمير فخر الدين الثاني المعنيّ الكبير وأطلقت مسيرته الجديدة كدولة ديموقراطيّة وحضاريّة في موازاة أكبر دول العالم.
إنّه تاريخ إعلان دولة لبنان الكبير بمساعي البطريرك الماروني العظيم الياس الحويّك الذي يسلك ملفّ دعوى تطويبه طريقه القانونيّة في روما. إنّه تاريخ يعيدنا الى دور هذا البطريرك في قيادة شعبه خلال الفترة الأخيرة والأصعب من حكم السلطنة العثمانية، وفي مساعدته على الصمود لمواجهة الظلم السياسي والاقتصادي والمجاعة الكبرى قبل الحرب العالمية الأولى وفي أثنائها، ما جعل اللبنانيين بكلّ طوائفهم ينتدبونه للذهاب إلى فرنسا بُعيد انتهاء الحرب ليشارك في مؤتمر الصلح في فرساي سنة 1919 ويفاوض باسمهم ويحصل من الحلفاء على إعلان دولة لبنان الكبير. كلّفه مجلس الإدارة في حينه التفاوض للحصول على المطالب التالية:
1- إعادة لبنان إلى حدوده التاريخية والطبيعية بإرجاع المناطق التي سلختها عنه السلطنة العثمانية بحيث يكون بلداً قادراً على القيام بحياة شعبه بما تقتضيه منافعه الاقتصادية.
2- الاعتراف باستقلال لبنان في إدارة شؤونه بواسطة حكومة راقية منظمة ومجلس نيابي يُنتخب من الشعب على مبدأ التمثيل النسبي حفاظاً على حقوق الأقليات وله حق التشريع ووضع القوانين الملائمة وكلّ الصلاحيات التي تتمتع بها المجالس النيابية في البلدان الراقية.
صاغ البطريرك الحويك مشروعه للبنان الكبير وطناً رسالة وشهادة في العيش الواحد المشترك بين كلّ طوائفه وبين جميع أبنائه، وفي الحرية والكرامة واحترام التعددية، وطناً يليق بالإنسان، محققاً بذلك أمنية جميع اللبنانيين.
وراح يعلن مشروعه هذا في باريس أمام قادة العالم قائلاً: «إسمحوا لي أن أقدّم إليكم مشروع لبنان الكبير وأُلفت انتباهكم إلى أنّ العيش المشترك الذي يشهد له جميع اللبنانيين هو ميزة تكشف عن تطوّر عميق عظيم التبعات، وهي الأولى في الشرق، التي تُحلُّ الوطنيةَ السياسية محلَّ الوطنية الدينية.
وبحكم هذا الواقع، ينعم لبنان بطابع خاص وبشخصية يحرص على الحفاظ عليها قبل كلّ شيء. إنه لا يستطيع، وفقاً لمصلحة الحضارة نفسها، أن يضحّي بها لأيّ اعتبار مادّي الطابع».
وكان يردّد دوماً: «أنا بطريرك الموارنة لي طائفة واحدة هي طائفة لبنان».
تاريخ الأوّل من أيلول هو دعوة لنا نحن اللبنانيين الى أن نقف اليوم متأمّلين بمسؤوليّتنا أمام التاريخ، فيما وطنُنا لبنان يترنّح في صيغته وكيانه متأثراً بالأزمات التي مرّ ويمرّ بها وبالحروب القاتلة والمدمّرة التي تدور من حوله مسبِّبة تحوّلاتٍ جذرية، لنذكُرَ البطريرك العظيم الياس الحويك، رجل العناية الإلهية، ولنذكِّر بما كان يريده من خلال السعي إلى تأسيس دولة لبنان الكبير، الوطن الذي أطلق عليه البابا القديس يوحنا بولس الثاني بعد أكثر من خمس وسبعين سنة إسم «الوطن الرسالة».
المطران منير خير الله
الجمهورية