لمناسبة زيارة الأعتاب الرّسوليّة الّتي بدأت أمس في روما، استهلّ البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي لقاءاته بوكالات الرّهبانيّات المارونيّة في روما، بزيارة دير مار أنطونيوس الكبير التّابع للرّهبانيّة المارونيّة المريميّة يرافقه أساقفة المجمع المقدّس، حيث كان في استقبالهم الرّئيس العامّ للرّهبانيّة الأباتي مارون الشّدياق ورئيس الدّير الأب شربل بطيش وجمهور الدّير بحضور سفير لبنان لدى الكرسيّ الرّسوليّ الدّكتور فريد الخازن وسفيرة لبنان لدى روما السّيّدة ميرا الضّاهر.
خلال اللّقاء ألقى الأباتي الشّدياق كلمة ترحيبيّة بعنوان: “أنتَ يا ربُّ فرّحْتَني بفضلِكَ لأعمال يدَيكَ أُرنِّم. ما أعظم أعمالك يا ربّ، وما أعمق أفكارك!” (مز 92/5-6). وقال فيها: “يمتلكُنا الفرح بفضل الرّبّ في استقبالكم يا صاحب الغبطة والنّيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الكلّيّ الطّوبى، مع المطارنة السّاميّ احترامهم أساقفة كنيستنا المارونيّة الشّاهدة للمسيح في لبنان وسائر المشرق وعالم الانتشار، وقدس الآباء العامّين السّاميّ احترامهم وأصحاب السّعادة السّفراء وجميع الآباء الجزيل احترامهم الحاضرين معنَا، وإخوتِنا في المسيح. إنّه لفخر لجماعة هذا الدّير المبارك، دير مار أنطونيوس الكبير، ولرئيسه الأب شربل بطيش وللرّهبانيّة المارونيّة المريميّة ولنا أن نستقبلكم في مستهلّ زيارتكم للأعتاب الرّسوليّة، حيثُ ستلتقون بقداسة البابا فرنسيس، حارس الإيمان والشّاهد لرسالة الفرح، وذلك كعلامة ظاهرة لحقيقة كنيستنا المارونيّة الأمينة للرّبّ في الشّراكة الكاملة مع خليفة بطرس الحبر الرّومانيّ.
أودّ أن أقول، من القلب، أهلاً وسهلاً بكم جميعًا، خصوصًا بصاحب الغبطة والنّيافة، سليل الرّهبانيّة الّذي عاش في هذا الدّير سنوات طويلة خلال ستّينيات وسبعينيّات القرن المنصرم، حيثُ هيَّأَه الرّبُّ، في هذا المكان، لعَيشٍ أعمق في الحياة الرّهبانيّة وَلِخِدمة كنسيّة جليلة قادَهُ إليها ليكون راعيًا صالحًا، بفضل الرّبّ، لكنيستنا المارونيّة المحبّة للمسيح. أهلاً وسهلاً بكم يا سيّدنا وأبانا، فأنتُم مَن تتأهّلون بنا في بيتكم.
ولا يسعني أن أذكر كلّ الأساقفة آباء الكنيسة المارونيّة فردًا فردًا وأشكر لهم حضورهم بشكلٍ شخصيّ، ولكنّي أثمّن باسم الرّهبانيّة وجماعة دير مار أنطونيوس الكبير علاقتَنا الوطيدة بكم جميعًا، إذ تجمعنا، إلى جانب المشاركة في الخدمة الكنسيّة والتّعاون الرّسوليّ، تجمعنا محبّة المسيح، والتّفتيش معًا عن تتميم إرادة الآب في كنيسته، في شعبه، بحسب وحي الرّوح القدس. لكن اسمحوا لي أن أذكر بخالص المحبّة أبناء الرّهبانيّة الّذين يخدمون كنيستنا الأمّ في السّينودس إلى جانب صاحب الغبطة والنّيافة، سيادة المطران مار فرنسوا عيد، سيادة المطران مار يوحنّا حبيب شاميّه، وقدس الأباتي فادي بو شبل السّامي احترامهم، فهم شهود للنَّفَسِ الرّهبانيّ الرّسوليّ الّذي تتمتّع به روحانيّة كنيستِنا، ويخوضون مغامرات خدمة البشارة كلٌّ في إطاره، معكم جميعًا، لتتجلى الكنيسة الرّسوليّة في صورة الشّاهدة الأمينة لقيامة الرّبّ في عالم يُنذر بالموت، ويضطهد الحقَّ والحياة…
كما أودّ أن أرحّب، شاكرًا، بسيادة المطران مار حنّا علوان الّسامي احترامه، المفوّض الحبريّ على الرّهبانيّة، الّذي قبل المهمّة البابويّة، واتّكل على الرّوح القدس ليسير معنا في الطّريق نحو تمييز حقيقيّ لإرادة الله، من أجل إكمال المسيرة بحسب الرّبّ يسوع، والنّموّ الجريء في خدمة التّسبيح والمشاركة والرّسالة، بذهنيّة كنسيّة حرّة، وبحسب روحانيّة العذراء مريم أمّنا الّتي أعلنت: “فليكن لي بحسب قولك”.
أهلاً بسعادة السّفيرَين الدّكتور فريد الخازن، والسّيّدة ميرا الضّاهر المحترمَين، اللّذين يقومان، دائمًا ولاسيّما في فترة عيد الاستقلال، بالجهد الكبير لإظهار وجه لبنان المتألّق، ودعمه أمام السّلطات الكنسيّة والحكومات لحلحلة مشاكله المعقّدة، ولإنمائه فيبقى وطن الرّسالة.
أهلاً بإخوتنا الرّؤساء العامّين والوكلاء لدى الكرسيّ الرّسوليّ، والآباء الأجلاّء وإخوتنا العلمانيّين المؤمنين، فلتحرسكم جميعًا صلوات العذراء مريم أمّنا.”
وختم الأباتي الشّدياق: “إنّ الضّعف البشريّ الظّاهر في الجماعات الكنسيّة هو مكان لتجلّيات عظمة الرّبّ الّذي يلتقي بنا في النّعمة، عاضدًا هشاشتَنا، رافعًا حقارتنا. هذه حقيقة روحيّة رهبانيّة وكنسيّة، لا بدّ من أن نقف أمامها لنرى عمل الله الدائم، ونسهّل دخوله في واقعنا، ولو كلَّفَنا ذلك تخلٍّ عن ضماناتٍ واستحقاقات وحقوق… تخلٍّ عن روح هذا العالم! فالنّعمة تلد الفرح، واللّقاء بيسوع، كلقائنا الآن، هو لقاء مفرح مُبهج، له معناه الأصيل في جهوزيّة العذراء مريم إذ تنشد نشيدها المسيحانيّ الوجوديّ: “تعظّم نفسي الرّبّ وتبتهج روحي بالله مخلّصي”. أجل، “أنتَ يا ربُّ فرّحْتَني بفضلِكَ لأعمال يدَيكَ أُرنِّم. ما أعظم أعمالك يا ربّ، وما أعمق أفكارك!” (مز 92/5-6).
ثمّ ردّ البطريرك الرّاعي بكلمة شكر فيها للرّئيس العامّ دعوته مع جمهور الدّير، متوجّهًا بالدّعاء للرّبّ أن تبقى الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة مشرقة ومزدهرة وأن تواصل رسالتها في لبنان وفي عالم الانتشار. والكلّ يعلم أنّه في سنة 1705، أيّ بعد عشر سنوات فقط على تأسيسها وصلت الرّهبانيّة المريميّة إلى روما وكان لها حضور مميّز ودور خاصّ منذ ذلك الحين، فكانت أبواب ديرها مفتوحة لكلّ اللّبنانيّين ولكلّ المطارنة والكهنة، وكان هو السّفارة الحقيقيّة للبنان قبل وجود سفارة رسميّة له في روما. لذلك فإنّنا نحيّي هذا الدّير الّذي واصل الرّسالة باستمرار وشكّل لجميع اللّبنانيّين محطّة وملجأ وعلامة رجاء في روما. لا يستطيع أحد منّا أن يحصي ما قام به هذا الدّير من خير وخدمة ورسالة مع اللّبنانيّين وكم كان وجوده بالنّسبة للكرسيّ الرّسوليّ إلى جانب المعهد المارونيّ الحبريّ الّذي تأسّس سنة 1548، خيرًا للبنان وللمارونيّة الّتي عُرِفت في العالم وعرفتها كلّ الأجيال. أقول هذا متمنّيًا استمرار هذا الدّير وهذه الرّهبانيّة ومن هنا أوجّه تحيّة لكلّ رهبانيّاتنا: الرّهبانيّة اللّبنانيّة، الرّهبانيّة الأنطونيّة وجمعيّة المُرسلين اللّبنانيّين وجماعة رسالة حياة.
لا أحد منّا يجهل ما تمثّله رهبانيّاتنا من قلب نابض في كنيستنا المارونيّة ونحن نحسد على هذه الرّهبانيّات الّتي تضمّ كلّ قوّتنا: الأديار وإشعاعها الرّوحيّ، القدّيسين، المؤسّسات، المدارس والجامعات والمستشفيات والشّؤون الاجتماعيّة.
لقد منح الرّبّ كنيستنا نعمة كبيرة بوجود هذه الرّهبانيّات إلى جانب الأساقفة والأبرشيّات، فهم يمثّلون هذا القلب النّابض.
من المهمّ ما نقوم به اليوم من زيارة للأعتاب الرّسوليّة وقد سبق أن طلبناها في حزيران 2011. ورغب قداسة البابا أن يكون هذا اللّقاء في 22 تشرين الثّاني، ولكنّه سيتمّ غدًا، أيّ قبيل عيد الاستقلال. وفي هذه المناسبة نجّدد إيماننا بلبنان فخرنا، إنّه في قلوبنا. صحيح أنّ وطننا يعيش اليوم أزمة حقيقيّة، ولكنّنا نعرف لاهوتيًّا أنّ هناك حياة جديدة وراء كلّ ألم. إنّه ألم المخاض. فلنتذكّر كيف تبدّد شعبنا وتدمّرت أرضنا وانهارت الدّولة أيّام الحرب، ولكنّنا عدنا إلى الحياة من جديد. وهذا هو الاختبار الّذي نتمنّى أن يعيشه أهلنا في سوريا والعراق والأراضي المقدّسة مسيحيّين ومسلمين.
وأضاف غبطته: “أراد الرّبّ أن تكون زيارة الأعتاب الرّسوليّة في هذا الأسبوع. وكما تعلمون في 9 أيلول 1989 في خضمّ عدم الاستقرار في لبنان، كتب قداسة البابا يوحنّا بولس الثّاني إلى مطارنة العالم الكاثوليكيّ: إنّ لبنان يمرّ بمرحلة صعبة وما يجري فيه هو لاقتلاع الجذور المسيحيّة في الشّرق لذلك أطلب منكم أن تُخصّصوا يومًا للبنان وأنا أقترح يوم 22 تشرين الثّاني فيه تستعملون سلاحين: الصّلاة وقول الحقيقة عن لبنان الّذي هو أكثر من وطن، وإنّ ازدهار المسيحيّة فيه هو الشّرط الأساسيّ لبقاء المسيحيّين في الشّرق الأوسط.
لذلك دعا قداسته إلى عقد سينودس خاص من أجل لبنان وها هو التّاريخ يُعيد نفسه . فللبنان رسالة يجب المحافظة عليها”.
وختم الكاردينال الرّاعي: “زيارتي إلى هذا الدّير تعني لي الكثير. لقد عشت فيه نحو 12 سنة عندما كان المجمع المسكونيّ من 1962 حتّى عام 1975 وله فضل كبير بالنّسبة لي، فمنه انفتحنا على الفاتيكان وتعرّفنا إلى وجوه كنسيّة كثيرة، وفيه تعلّمنا وانفتحنا على الكنيسة الجامعة. فالمرور بروما ليس بالأمر العاديّ، نحن في قلب الكثلكة وعلينا أن نعرف كيف ننفتح على الكنيسة وعلى رسالتها. نشكر الله على رهبانيّاتنا الّتي تشكّل قلب كنيستنا النّابض”.
ومساء شارك البطريرك الرّاعي والمطارنة في الاستقبال الّذي أقامته السّفارة اللّبنانيّة لدى الكرسيّ الرّسوليّ بمناسبة عيد الاستقلال بحضور الكاردينال ليوناردو ساندري والكاردينال أنطونيو ماريا فيليو وعدد من السّفراء والقناصل إلى جانب حشد من أبناء الجالية اللّبنانيّة.
وفي كلمة له رحّب السّفير فريد الخازن بالبطريرك الرّاعي وبالحضور متوقفًا عند العلاقات المميّزة الّتي تربط لبنان بالكرسيّ الرّسوليّ ولفت إلى اهتمام البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني الكبير بلبنان وقد رأى فيه رسالة حرّيّة وتعدّديّة تتجاوز دوره كدولة بين سائر الدّول. وفي السّياق عينه أطلق فخامة الرّئيس العماد ميشال عون مشروع “أكاديميّة الإنسان” في لبنان من الأمم المتّحدة بهدف التّلاقي والحوار بين الشّعوب والدّول.”
وتابع الخازن مُؤكّدًا “إنّ العلاقات الوطيدة بين الكرسيّ الرّسوليّ ولبنان لا تقاس حصرًا بمعايير المصالح والاعتبارات المعهودة في العلاقات بين الدّول، إنّما تقوم بينهما أمتن العلاقات وأصدق النّيّات ونظام قيم جامع عنوانه الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان”.
وأضاف: “إنّ لبنان هو البلد الوحيد في منطقة الشّرق الأوسط الّذي يعيش فيه المسلمون والمسيحيّون في احترام متبادل وقبول للآخر على الرّغم من الاختلاف الدّينيّ والسّياسيّ لافتًا إلى “أنّ لبنان يعاني اليوم اقتصاديًّا واجتماعيًّا من وجود ما فوق المليون نازح سوريّ وأكثر من نصف مليون نازح فلسطينيّ وعلى المجتمع الدّوليّ المساعدة في عودة السّوريّين إلى بلادهم وتحقيق العودة أيضًا للفلسطينيّين. وختم مشيرًا إلى أنّ الكنيسة كانت ولا تزال العنصر الأهمّ في مدّ يد المساعدة لكلّ محتاج أو نازح أو لاجىء”.
نور نيوز