كتب بطريرك بابل للكلدان صاحب الغبطة مار لويس روفائيل الأول ساكو إلى مسيحيي العراق الممتحنين يقول: وسط المحنة التي تعيشونها اليوم، أدعوكم أن تقرأوا الماضي والحاضر قراءة جديدة معمّقة تمامًا كما فعل المسيحيون الأوائل الذين منهم تسلمتم وديعة الإيمان، كما تسلموها هم بمشاعر الفرح والشركة الأخويّة من الرسل. انطلاقاً من هنا، الأحداث التي نعيشها تتخذ معنى جديدا، فلا نجعل يسوع يؤنبنا بنفس العبارات التي أنبّ بها رسله على قلّة إيمانهم إبان العاصفة: “ما لكم خائفين يا قليلي الإيمان” (متى 8/26). لنكن على يقين من أن الرب لن يتركنا نغرق كما لم يترك تلاميذه يغرقون. هذا ما نجده مؤكدًا في قوله: “هاءنذا معكم طوال الأيام”.
أضاف البطريرك ساكو: نقرأ في انجيل يوحنا: “لكنّ المؤيد، الروح القدس الذي يرسله الآب باسمي هو يعلّمكم جميع الأشياء ويُذكركم جميع ما قلته لكم. قلت لكم هذه الأشياء لئلا تعثروا. سيفصلونكم من المجامع بل تأتي ساعة يظنّ فيها كل من يقتلكم أنه يؤدي لله عبادة” (15/26، 16/1-3). أمام هذا التأمل اللاهوتي الذي يعكس “شهادة رسوليّة”، قد نصطدم بصعوبة عباراته ودقتها. قراءة سطحيّة لا تكفي حتى نفهم بعدها العميق فتحرّك قلوبنا، بل ينبغي أن نذهب إلى أبعد، ونقرأ بالروح عينه الذي شهد له يوحنا لكي يتسنى لنا أن نكتشف فاعليّة بلاغات الإنجيل في حياتنا الراهنة، حتى نبلغ إلى سرّ القائم من بين الاموات، “الحيّ” العامل في الكنيسة وفي العالم، و”النور” الذي يقود خُطانا. على المسيحيين العراقيين أن يبقوا أمناء مثل آبائهم لهذا الإيمان، فيلمع في عيونهم ويغمر قلوبهم ويغير أفكارهم، فيتمسكوا بأرضهم التي ليست مجرد تراب، بل هي مع من عليها، علاقة وهوّية ولغة وعادات وتقاليد وتاريخ وذاكرة وأصالة. الأرض مقدسة!
هذا وأكد بطريرك بابل للكلدان في رسالته إلى مسيحيي العراق الممتحنين أن الإيمان يساعدنا وسط العنف والظلم الذي نعيشه على التأمل في قدرة الحبّ على فهم “السرّ” والأمور العميقة وتخطي المحنة، عندها ينمو إيماننا ونتغير وكالسراج يُضيء ظلام ليلنا الحزين ويفرحنا! الإيمان خلاّق ومتجدد ومفاجئ بالرغم من فقرنا وطردنا ظلماً من بلداتنا وبيوتنا. إنه يساعدنا على أن نتحرر من ماضينا ومخاوفنا ومنطقنا البشري ليُعيدنا إلى “منطق الله” الذي يُعدّنا لاستقبال “مستقبلنا” “قوّة الربّ التي أقامت الرب يسوع ستقيمنا نحن أيضاً” (1 كورنثوس 6/14).
المصدر: إذاعة الفاتيكان