إثر تعرّض بلدة بخديده ـ قره قوش السريانية (من سهل نينوى، شمال العراق) لقصفٍ عشوائي من قبل مسلّحين جرّاء الأحوال المتردّية في مدينة الموصل وجوارها، اضطرّ عدد كبير من أهالي هذه البلدة الآمنة إلى نزوح مفاجئ وجماعي لم يسبق له مثيل، متوخّين الأمن في مدن إقليم كردستان، سيّما مدينة عنكاوا، وألقوش ودهوك.
وفور ورود هذا النبأ الأليم، توجّه غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، إلى أربيل حيث استقبله في مطارها الدولي وزير الداخلية في حكومة كردستان كريم سنجاري، ووزير النقل والإتصالات جونسون سياويش، وعدد من الأساقفة والمسؤولين، انتقل غبطته حالاً إلى زيارة عددٍ من المراكز المخصصة لإيواء النازحين في عينكاوا ـ أربيل، فحثّهم على “العودة إلى بلدتهم وبالأخص الشباب بينهم رغم التحدّيات، فيكونوا على قدر المسؤولية في الدفاع عن أرضهم والتمسُّك بها”. وأشاد “بالجهود الجبّارة التي قُدِّمت للآلاف من العائلات النازحة من قبل المطران بشار وردة رئيس أساقفة أربيل للكلدان، وجمعية الرحمة وسائر الأخويات والمنظّمات المدنية والمؤسسات والأهالي أفراداً وجماعات”.
وبثّت زيارة غبطته روح الحياة في هؤلاء المؤمنين الذين هلّلوا لقدوم أبيهم الروحي العام إليهم، رسولاً للمحبّة والسلام والرجاء والأمل بمستقبل أفضل.
احتفل غبطته صباح الأحد 29/6/2014 بالقداس في كاتدرائية مار يوسف للكلدان بعينكاوا، وجدّد في الموعظة دعوته النازحين “بتحمّل هذه المحنة الأليمة بالصبر والإيمان”، داعياً إيّاهم “للتغلّب عليها بشجاعة وروح وطنية متأصّلة في تاريخ أجدادهم الممزوج بالشهادة”، حاثّاً “القادرين على العودة إلى بلدتهم ومنازلهم وأعمالهم”.
ومن هناك، تفقّد غبطته بلدة برطلة السريانية، حيث احتشد المؤمنون للقاء أبيهم الروحي، حاملين أغصان الزيتون. فشجّعهم وشدّ أزرهم، ممتدحاً إيمانهم وثباتهم، ومتفقّداً النازحين إلى هذه البلدة من قره قوش.
ثمّ انتقل غبطته إلى بلدة بغديده ـ قره قوش، المحطّة الرئيسية في زيارته الأبوية. وكانت المفاجأة في القداس المسائي الذي أقامه في كنيسة الطاهرة الكبرى، التي احتشد فيها ألوف المومنين، في مشهدٍ أشبه بالأعياد الكبرى. ها هم أبناء هذه البلدة يلبّون نداء الرب على لسان غبطة أبيهم البطريرك، فيعودون إلى أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم، والقلّة الباقية على طريق العودة في غضون ساعات. وهناك ارتجل غبطته موعظةً أبويةً، امتدح فيها “أصالة وعراقة أبناء هذة البلدة الذين يتحلّون بالإيمان والرجاء والمحبّة، وقد استقبلوا في السنوات الأخيرة النازحين من بغداد والموصل وسواها من المدن”. وحيّا غبطته صمودهم، مثبّتاً عزيمتهم في “التشبّث بالأرض، والذود عنها بكلّ ما أوتوا من قوّة وعزم ومحبّة وإخلاص”. كما أكّد غبطته “بأننا شعب لا يطالب بامتيازات بل بالمساواة في المواطنة مع سائر مكوّنات بلاد الرافدين، وأنّنا دعاة سلامٍ وتآخٍ لا عنف ولا تصادُم”.
وقدّم غبطته جزيل الشكر لرئيس إقليم كردستان وحكومته وجيشه على “كلّ المساعدة التي قدّموها للنازحين وللبلدة، لتخطّي الظروف الراهنة، وكلّ ما سيقومون به مع جميع النزيهين والمخلصين لتأمين الخدمات للمواطنين كي يعيشوا بكرامة في بلدتهم”.
وحثّ غبطته أبناء البلدة على “توحيد كلمتهم ورصّ صفوفهم للنهوض ببلدتهم”، معلناً رسالته لهم: “أن يجعلوا بلدتهم بخديده ـ قره قوش الأولى في همومهم وأفكارهم ومشاريعهم، مقدّمينها على كل انتماء وموالاة. فتنهض من كبوتها وتعود إلى سابق عهدها، مشعّةً في هذه المنطقة بالخير والسلام”. وكان غبطته قد عبّر عن شكره وتقديره لسيادة راعي الأبرشية المطران مار يوحنّا بطرس موشي وكهنته الذين صمدوا في بلدتهم رغم الأخطار التي أحدقت بهم، مقدّمين أنصع الأمثلة عن الراعي الصالح الذي “لا يهرب… بل يبقى مع القطيع”.
قبل عودته إلى لبنان، تفقّد غبطته يوم الإثنين 30/ 6 العائلات التي كانت نزحت إلى بلدتي دهوك وألقوش، وحثّهم على العودة سريعاً. ثمّ زار وزير الداخلية في حكومة كردستان لشكره، وتأكيد مطالبة أبناء قره قوش بتأمين الخدمات للبلدة بأسرع وقت، ولمس منه كلّ تجاوب واحتضان للبلدة وسكّانها.
والتقى غبطته بغبطة مار لويس روفائيل الأوّل ساكو بطريرك بابل على الكلدان، وتداولا في أوضاع المسيحيين وحضورهم في العراق، بحضور مطارنة من الكنيستين السريانية والكلدانية.
زينيت