توجه بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بالرسالة السنوية لمناسبة عيد الميلاد المجيد، بعنوان “هل للطفل الإلهي موضع في قلوبنا وحياتنا وعائلاتنا”، جدد فيها “التأكيد على أن ميلاد الرب يسوع هو بشرى الفرح بلقاء الطفل الإلهي وبداية الخلاص بالمسيح، الذي شاء أن يولد ويحل في عائلة ليقدس العائلة، وأن به تتجلى الرحمة الإلهية في حياتنا”، مؤكدا “ضرورة الإستعداد وتهيئة موضع للطفل الإلهي في قلوبنا وحياتنا وعائلاتنا ومنازلنا، لأن الرب يسوع المولود يتنظرنا كي نسلم ذواتنا بين يديه ليمنحنا الفرح الحقيقي والسلام الدائم رغم المشاكل والمحن والإخفاقات”.
لبنان
وتناول يونان الأوضاع في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، فقال: “إن كان زمن الميلاد زمن السلام والرجاء والأمل بولادة جديدة للانسان، فإن عالمنا الحاضر بأمس الحاجة لكل بصيص أمل نوفره لبلداننا وشعبنا المضطهد والمهجر والمقتلع قسرا من أرض الآباء والأجداد، ليس لذنب سوى أنه مؤمن بمعجزة الميلاد، لقاء الله مع الإنسان. نحن رعاة هذا الشعب المضطهد، نقف اليوم أمام مفترق تاريخي في مسيرة شعبنا الذي ولد وعاش على هذه الأرض، ونراه اليوم يهجرها مكرها تاركا وراءه تاريخا متجذرا تجذر المسيحية في هذا الشرق، وفي أحسن الأحوال تعصف به الأزمات لتدفعه إلى الهجرة”.
اضاف: “إن نظرنا إلى لبنان وإلى المسيحيين فيه، تحسرنا على ما آلت إليه الأمور. صحيح أنه لا يزال بمنأى عن الحروب التي تعصف حوله، ما عدا مناطق محدودة فيه، أصر أعداؤه الإرهابيون على تهديدها، إلا أن انقسامات السياسيين أدت إلى الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية منذ أكثر من سنة ونصف، وهو الموقع المسيحي الوحيد في هذا الشرق والقادر أن يعيد إلى الجمهورية عنفوانها وكرامتها وموقعها بين الدول، وأن يجدد الحياة السياسية السوية في النظام اللبناني. إننا نكرر مطالبتنا، مع جميع المخلصين لميثاق لبنان ودستوره بانتخاب رئيس للبلاد وإقرار قانون عادل للانتخابات النيابية، ينصف السريان ويعطيهم حقهم في التمثيل النيابي أسوة بالطوائف الأخرى”.
وهنأ “العسكريين الذين تم تحريرهم من يد المنظمات الإرهابية، ونصلي من أجل تحرير رفاقهم المأسورين، سائلين الطفل الإلهي أن يحفظهم وينجح مساعي القيمين على هذا الملف لإعادتهم سالمين آمنين إلى مؤسستهم ووطنهم وعائلاتهم”.
سوريا
وتابع: “أما في سوريا، فقد دخلت الأزمة عامها الخامس وكانت سببا في تدمير لا مثيل له للأرض والبنيان التحتية والمعالم الحضارية، وحملت معها قتل مئات الآلاف وتشريد الملايين وزرعت البغض في النفوس ونشرت التعصب الطائفي بين المكونات التي كانت عنوان غنى هذا البلد المحبوب في التعددية والتسامح والإشعاع. إننا نناشد المجتمع الدولي التوقف عن تأجيج الإقتتال الداخلي في سوريا، فلا يكون هذا الشعب وحريته وحياته أهدافا لصراعات الدول ومصالحها الإقتصادية والسياسية. فليتحد العالم وليطرد الإرهابيين من سوريا. فهل أن صور تدمير المدن والمعالم الأثرية لا تستحق التفاتة من قادة هذا العالم؟ ونذكر هنا خاصة تدمير دير مار اليان الناسك وضريحه في القريتين، وكذلك الإعتداءات الهدامة على الكنائس والأديرة والمعالم المسيحية في معلولا وصدد وقرى الخابور. ألا تدمي مشاهد القتل والدمار قلوب العالم؟ ألا يستحق الذين يغرقون لحظة رحمة من الذين يمولون هذه الحرب العبثية ويديرونها؟ هذا كله وكثيرون من مسيحيي سوريا قرروا البقاء وعدم الهجرة. إننا نتضرع إلى طفل المغارة ليكون ميلاده نورا يشع في العقول والقلوب، فتتوقف هذه الحرب العبثية ويتحد الشعب السوري لبناء دولته، دولة حديثة ديموقراطية. وفيما نشكر الله فرحين لعودة الأب جاك مراد إلى الحرية، لا يسعنا إلا أن نعلي الصوت مع جميع أصحاب النيات الحسنة، فنجدد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، وفي مقدمتهم المطرانان مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي، والآباء الكهنة ميشيل كيال واسحق محفوظ وباولو داللوليو، والمدنيون، وبخاصة أبناء شعبنا في القريتين وحلب وقرى الخابور”.
العراق
واردف: “أما العراق، فقد مرت سنة ونيف على طرد أبناء شعبنا من مدينة الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، وتدمير الكنائس والمعالم الدينية والآثار التي تشهد على عمق تجذر شعبنا في أرض العراق الغالي، ولعل أحد أبرزها دير مار بهنام الشهيد الذي يضم ضريحه. كل هذا يحدث والمجتمع الدولي لا يحرك ساكنا، بل يبقى صامتا غير مبال تجاه هذه الجرائم ضد الإنسانية. أما في الداخل العراقي، وفيما نسمع الكثير من الوعود والتمنيات بغية تطمين المسيحيين وسائر المكونات في العراق، فإننا نرى مجلس النواب يسعى لتشريع قوانين تخالف أبسط حقوق المواطنة وتضرب بالصميم الوجود المسيحي فيه، كأنهم يقولون لهذا المكون الأصيل والمؤسس “إننا وداعش نطلب منكم الرحيل”. وفي خضم هذا كله، تقف الكنيسة مع شعبها، فهي لن تتركه ولن تتنازل عن حقوقه. ونحن معها نصلي للرب يسوع، الطفل الإلهي، حامل الرجاء إلى البشرية، طالبين منه أن يعزز إيمان القيمين على هذا الشعب بأرضهم ووطنهم، ليكونوا قدوة له وأمناء لتراث بلاد الرافدين وتاريخها”.
وقال: “في هذا العيد، نتوجه بالقلب والفكر إلى أبنائنا الذين يكابدون آلام النزوح والهجرة والإقتلاع، من العراق وسوريا إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات، إذ أضحوا، مثل الطفل الإلهي، لا موضع لهم ولا منزل يأويهم، مؤكدين لهم تضامننا الأبوي واستعدادنا الدائم لتأمين حاجاتهم ومساعدتهم بكل الإمكانات المتاحة”.
وتقدم البطريرك يونان بالتهاني “بمناسبة عيد الميلاد المجيد وحلول العام الجديد إلى أبناء الكنيسة السريانية في الأراضي المقدسة والأردن ومصر وتركيا وفي بلاد الإنتشار، أوروبا وأميركا وأستراليا”، متمنيا “للعالم بأسره وبخاصة للشرق المعذب، سلاما وأمانا نابعا من الطفل الإلهي أمير السلام”.