كتب بسام أبو زيد في نداء الوطن
رغم كل ما يمرّ فيه لبنان، يمعن بعض القوى والإعلام في استمرار تخريب أي علاقةٍ مع دول عربيةٍ أو غربيةٍ وكل ذلك تحت عنوان «المواجهة مع الكيان الصهيوني» ولا ينسى هؤلاء أن يستهدفوا في هجومهم أولاً القوى والشخصيات اللبنانية التي لا تنخرط في محورهم محاولين تخويفها وتدجينها.
ويحاول هؤلاء أيضاً أن يصوّروا وكأنّ لبنان واللبنانيين لا يتأثرون بالحرب الدائرة في جنوب لبنان، معتبرين أن كل حديثٍ عن نزوحٍ أو دمارٍ أو عن رفض الموت أو الخوف من القذائف والغارات هو استسلام وعمالة، فينبغي بالمواطن اللبناني المغلوب على أمره أن يقبل بالأمر الواقع وأن يشيد به، فحتّى السكوت ممنوع.
كلّ ما يجري في بلادنا يؤكّد أنّ لبنان هو ساحةٌ للصراع الديني في المنطقة ويراد له أن يبقى كذلك وقد دلّت عملية «طوفان الأقصى» وتداعياتها على أنّ هذا الصراع لن يكتب فيه النصر لأحدٍ وبالتالي فإنّه مستمرّ بوجهه المتوحّش من خلال حروبٍ تفصل بينها فترات زمنية قصيرة أو متباعدة، علماً أنّ أطراف هذا الصراع الديني لا يتورّعون في نهاية كل حربٍ عن إعلان الانتصار على وقع مشاهد آلاف القتلى والجرحى والمهجّرين والدمار الشامل.
وفي خضمّ هذا الصراع الديني يطرح السؤال دائماً عن مصير المسيحيين في لبنان وغيره من دول المنطقة، والجواب الأوّليّ هو أنّ هذا الوجود يضمحلّ من الناحية الديمغرافية لأنه هو الذي يدفع ثمن هذا الصراع الذي يجري على أرضٍ هي مهد المسيحية من فلسطين إلى لبنان إلى سوريا فالعراق ويبذل المسيحيون جهوداً للبقاء في أوطانهم ولكنهم لا يستطيعون ولا يرغبون كما يستطيع ويرغب غيرهم في البقاء بحال حرب دائمة تشكل هي القاعدة بينما يشكّل السلام والاستقرار الشواذ.
حال الحرب وعدم الاستقرار التي يعيشها لبنان منذ عقودٍ مرّت في فترات هدنة، ولم تكن هذه الهدنة فرصة لتعزيز الاستقرار والسلام بل كانت وسيلةً استخدمتها بعض القوى السياسية التي تدور في فلك من يملك قرار الحرب أو يخشاه من أجل تحقيق مصالح آنيةٍ فلم يكن هناك من سعيٍ جديّ من أجل بناء الدولة الفعلية وشاركت بعض القوى المسيحية في ذلك لمصالح سياسية وشخصية وزايدت على قوى الحرب في التبرير لتصرفاتها ولكنها لم ترسل مقاتلاً واحداً كي يشارك في الحرب على الأعداء من الشمال والشرق والجنوب.
إنّ هذه القوى المسيحية تتحمل مسؤوليةً كبيرةً في استمرار الوضع الهشّ في لبنان وفي استمرار النزف المسيحي منه، والمشكلة الكبرى أن بعض المؤيدين لهؤلاء طالهم بشكل أو بآخر مشروع غسل الدماغ المستمرّ فأضحوا ضحايا شعاراتٍ لا يدركون ولا يفقهون مضامينها وابتعدوا عن كل منطقٍ ومعلومةٍ صحيحةٍ وعن خيارات المواجهة الفاعلة لتحقيق حلول لمشاكل لبنان والمنطقة وتحصيل حقوق اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم من الشعوب المقهورة.
لقد أضحى هؤلاء إمّا بوقاً يُنفخ فيه عند الحاجة والحاجة هي منع المسيحيين من الاتفاق على نظرة استراتيجية واحدة للبنان ومصيره ومصير شعبه، وإمّا ضحيةً تستخدم للقول بأن محور الحرب ليس حكراً على طائفةٍ أو مذهبٍ أو فريقٍ سياسي.