والمعني هنا هو حقد الأول على الثاني، وليس جودة العمل أو مهارته. وهنا أيضاً، قد يطبّق قول الشاعر المتنبي في بيته الشعري الشهير: «كلُّ العداوات قد ترجى مودّتُها / إلّا عداوة مَن عاداكَ عن حَسدِ».
معارك الأدباء
كان كلّ من جرير والفرزدق يتفاخرُ بالثناء على نفسه وشعره، متعمّداً ذَمّ الآخر والانتقاص من شأنه.
وكانت هناك معارك أضرمت ألسنتها بين فولتير وروسو، اللذين كانا ظاهرة حادة في عين الفلسفة الفرنسية في القرن الثامن عشر. فقد قاوم كلاهما التزمّت والتعصّب الديني. وقد كان روسو من أشدّ المعجبين بأعمال فولتير، ولكن الأخير لم يعبّر عن أيّ إطراء أو استحسان لأعمال روسو. بل قال يوماً: «أنا لا أحب لا روسو ولا مؤلفاته». وعندما أصدر روسو مؤلّفه «هوليوز الجديدة»، هاجمه فولتير بحدّة، ونَعته بـ»البورجوازي» و»الغبي». وأمّا عن «العقد الاجتماعي» فقد بلغ من التجريح أن قال عنه انه «لا يليق إلّا بفيلسوف صغير يتردّد على البيوت الصغيرة».
بلغت عداوة فيكتور هوغو لخصمه سانت بوف حدّ أن وَصفه بـ»الأفعى المجلجلة»، بعد صداقةٍ طويلة الأمد، لأنه حاول التقرّب من زوجته ممّا دفع بوف إلى إعلان القطيعة النهائية، وأجابه على تجريحه قائلاً: «بنفسي يأس وسخط، ورغبة عارمة في قتلك، من الآن فصاعداً نحن أعداء… أعداء إلى الموت…»، وتزعزعت أركان الصداقة التي ربطت الإثنين معاً، وصبّت في قالب التجريح الأدبي الإنساني.
تولستوي شنَّ حرباً قاسية على شكسبير معتبراً أنه لا يستحقّ المكانة الرفيعة التي تبوّأها في عالم الأدب، حتى أنّه لقّبه بالكاتب التافه. وصرّح قائلاً: «رأيي منذ فترة طويلة حول أعمال شكسبير مُعارض بشكل مُباشر للرأي الموجود في كل العالم الأوروبي. لقد شعرتُ بقناعة قويَّة لا يُمكن الشك فيها أنّ المجد الذي لا يُمكن الشكّ فيه للعبقريّة العظيمة التي استمتع بها شكسبير، والتي تجعل كُتّاب وقتنا يقلّدونه والقرّاء والمشاهدين يجدون فيه فضائل غير موجودة – وبذلك يشوّهون فهمهم الجمالي والأخلاقي – شرّ عظيم كما في كُلّ كذبة».
أيضاً، العداوة التي جمعت بين غبريال غارسيا ماركيز والبيروفي ماريو فارغاس يوسا، كانت مفاجأة أذهلت مَن حولهما بسبب صداقتهما المتينة السابقة. الإثنان كانا يتوهّجان في الضوء. فقد أدهشَ ماركيز مملكة الأدب برائعته «مائة عام من الوحدة»، أمّا يوسا فقد أذهل متابعيه بروايته الأولى «المدينة والكلاب» عام 1963. يرجّح أن يكون الخلاف قد تفشّى بعد علاقة ماركيز بزوجة يوسا التي كانت قد انفصلت عن زوجها لفترة زمنية طويلة، وعِلْم الأخير بالأمر. رغم أنّ الانفصال الإنساني قد تمادى بعد ضرب يوسا لماركيز في عينه مُتسبّباً له بعلّة ظاهرة، وهذا للاختلاف السياسي بينهما، فماركيز يُساند نظام فيديل كاسترو ضّد يوسا الذي يؤيّد الأنظمة الليبرالية، ممّا خلق جوّاً مشحوناً أدّى لعلاقةٍ عدائية بين الإثنين.
أمّا العداوة بين عميد الأدب طه حسين والأديب الكبير عباس محمود العقاد، فترجع أسبابها إلى انتقاد العقاد لرسالة الغفران التي كتبها طه حسين حول فلسفة أبي العلاء المعري. حيث كتب: «إنّ رسالة الغفران نمط وحدها في آدابنا العربية، وأسلوب شائق ونسق طريف في النقد والرواية، وفكره لبقة لا نعلم أنّ أحداً سبق المعري إليها، ذلك تقدير حق موجز لرسالة الغفران».
وقد رَدّ عليه طه حسين قائلاً: «وهل يعلم العقاد أنّ دانتي إنما صار شاعراً نابغة خالداً على العصور والأجيال واثقاً من إعجاب الناس جميعاً بشيء يشبه من كل وجه رسالة الغفران هذه».
نازك الملائكة انتقدت محمد الماغوط نقداً شديداً بعد نشر قصيدته الأولى في مجلة «شعر»، وكتبت في كتابها «قضايا الشعر المعاصر» عنه أنّ ما يكتبه ليس شعراً.
عداوة يوسف ادريس مع نجيب محفوظ تعود لجائزة نوبل التي نالها الأخير، ليصبح أوّل كاتب عربي يحصدها. فقد صرّح ادريس علناً أنّه الأحقّ بها والمرشّح الأول لها، ولكنها ذهبت إلى نجيب لموقفه المؤيّد للتطبيع مع إسرائيل، فخدمته لأسباب سياسية وليست أدبية.
يبقى التجريح الإنساني الأدبي بين الأدباء خاضعاً للعوامل النفسية الشخصية، ولا يمكن الالتجاء إليه للحكم المبرم بينهما، وقد يُعدّ فناً نقدياً فولكلورياً بسبب انطوائه على ظروفٍ شخصية، ومواقف خاصة، ولكنه خال من الخلفية الفنية أو الأسباب الموضوعية.
نسرين بلوط
الجمهورية