ابرهيم حيدر / النهار
هو ليس التحرك الأول لحملة “طلعت ريحتكم”، وإن كانت الأكثر حشداً واستقطاباً، وقمعاً من القوى الأمنية. تحرك الشباب ومنهم الكثير لا علاقة له بالأحزاب والتيارات السياسية، طلباً لمعالجة جدية لمشكلة النفايات ومكافحة الفساد.
للوهلة الأولى، يظهر ان الحملة التي يقودها شباب من اتجاهات مختلفة يقدمون أنفسهم انهم منتسبون الى المجتمع المدني، أنها موحدة ويمكنها أن تستقطب المزيد من الشباب والفئات من قوى 8 و14 آذار، لكن التجربة الأولى في التحركات على الارض منذ النصف الثاني من تموز الماضي، أي مع اشتداد مشكلة النفايات، طرحت ضرورة إعادة النظر ببعض الشعارات والتوجهات لكي تتمكن الحملة من استقطاب الفئات الشبابية المختلفة. لم يحصل ذلك واستمرت الحملة على شعاراتها، ورفعت من سقفها، فطرحت إسقاط النظام واستقالة الحكومة وتنظيم انتخابات نيابية، بما يتخطى مطلب حل مشكلة النفايات، فدخلت على خط التحرك قوى وفئات مستفيدة من التململ في الأوساط الشبابية وحاولت ارسال رسائل بأهداف سياسية لا تمت الى التحرك الأساسي بصلة.
لكن كيف انطلقت الحملة ومن أي فئات؟ كانت الخطوة الأولى للتحرك بدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تواصل الشباب من خلفيات مختلفة، بعضهم ينتسب الى جمعيات من المجتمع المدني، وبعضهم الآخر جاء من خلفيات يسارية، الى شباب معترضين على سياسات أحزابهم في قوى 8 و14 آذار، فكانت الطلة الأولى على الارض في الحمراء، ثم تبعتها تحركات في ساحة الشهداء، الى الاعتصام الأول في ساحة رياض الصلح قبل نحو 10 أيام، والذي ووجه بقمع لم يرق الى مستوى قمع أول من أمس، ولا للمواجهات التي دارت بين الشباب والقوى الأمنية، فشكل أرضية للانطلاق مجدداً لاعتصام السبت وأمس الأحد الذي استقطب مزيداً من المواطنين الغاضبين والمطالبين بحل المشكلات الاجتماعية.
في الاعتصام الأخير، بدا الشباب أكثر ثقة من أنهم سيحققون هدفهم، فالدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الاعلام، فعلت فعلها، حيث شاركت فئات اجتماعية في بداية اعتصام السبت لمدة ساعتين، من دون تسجيل أي مواجهة مع القوى الأمنية، لكن الحماسة دفعت ببعض الشباب الى رفع شعارات تطالب بإسقاط النظام ورحيل الحكومة واستقالة النواب، الى شتم عدد من المسؤولين، وزادت حماسة البعض الى حد انهم أرادوا اقتحام الشريط الشائك الذي يفصل المتظاهرين عن السرايا الحكومية ومجلس النواب، ما أدى الى مواجهة مع القوى الأمنية التي استخدمت كل أشكال القمع، الأمر الذي دفع ببعض المحازبين من تيارات سياسية مختلفة للنزول الى ساحة رياض الصلح تضامناً مع المعتصمين انما بأهداف مختلفة.
وعندما انسحبت القوى الأمنية وسمحت للمعتصمين بالتقدم الى ساحة رياض الصلح مجدداً، حصل نقاش بين عدد من المنظمين، فبعضهم دعا الى تنظيم تظاهرات شبه يومية للضغط على المسؤولين لمعالجة مشكلة الواقع، وبعضهم الآخر دعا الى البقاء ونصب الخيم في الساحة حتى تحقيق المطالب التي ما عادت تقتصر على ملف النفايات انما رفع سقفها باستقالة الحكومة وتغيير النظام أيضاً والعمل على تنظيم انتخابات نيابية جديدة، حيث استقر الرأي على الخيار الأخير. وكان انسحب عدد من الشباب المحسوبين على تيارات سياسية، حيث تبين أن بعض أعضاء حزب الكتائب شاركوا في الاعتصام بمبادرة منهم، وكذلك عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي، الى عدد من العونيين، فيما نزل عدد من محازبي “حركة أمل” الى ساحة رياض الصلح وشاركوا بهتافات من خارج سياق الحملة.
ويتذكر بعض الشباب في حملة “طلعت ريحتكم” المتحمس للتغيير، أن تظاهرات حصلت سابقاً ضد التمديد ومن أجل اسقاط النظام الطائفي، منذ عام 2012، لكنها انتهت بعد تكبير الشعارات وتقديم منظميها على أنهم البديل للطبقة السياسية، فيذكرهم البعض بضرورة قراءة الواقع جيداً وعدم السقوط في فخ “القدرة على التغيير الشامل”، وأن يكون تحركهم متدرجاً ليراكم ويستقطب ويكون على مستوى الحدث في كل مرة، قبل ان يسقط في زواريب السياسة الداخلية والاستقطابات الحزبية والطائفية.
وكان لافتاً في اعتصامي السبت والأحد تغير اللافتات، فالاعتصام السابق رفع لافتات كتب عليها، “ريحة صفقاتكم أبشع من ريحة الزبالة”، “قرفتونا طلعت ريحتكم”، “اختنقنا بدنا نتنفس”، “النفايات جمعت النواب فماذا يجمعهم لانتخاب رئيس”، “لا للحلول الوهمية نعم للحلول المستدامة”، فيما اللافتات الجديدة طالبت بإسقاط النظام وبرحيل الحكومة وباستقالة رئيسها. لكن أبرز ما حققته حملة “طلعت ريحتكم” انها استطاعت إقناع المزيد من الناس بالنزول الى الشارع، ومواجهة ما تسميه “فساد الطبقة السياسية كلها”. فهل تستطيع الاستمرار في الضغط بعناوين وشعارات كبرى؟ يقول أحد المنظمين المعترضين على نصب الخيم، أن الحملة بقدر ما يجب ان تركز على فساد الطبقة السياسية، عليها أن تبقى حريصة على ان تكون مطالبها متدرجة، “فلنستمر بالمطالبة بحل مشكلة النفايات ونرفع شعارات التغيير وفق الوقائع”.