لست أظن ان الأرثوذكسيين يقولون إن المجمع المقدس يقود الكنيسة باعتباره رئاسة تنفيذية مقابل من قال إن للكنيسة شخصاً واحداً يقودها… هم غير مهيئين للقول، إذا أردنا التدقيق، إن عندهم للقيادة الروحية هيئة إدارية. يرفضون أساساً التشبه بالتنظيم المدني ولكن استقلالاً عن مقولاته عندهم حس بالجماعية، بالتوافق وهذا ما يسمونه مجمعاً مقدساً، الأمر الذي لا صورة له في النظام المدني.
هو ليس برلمان أساقفة. هو سعي إلى وحدتهم ولا قيمة فيه للعدد إلاّ رمزاً لاتجاه في المعتقد أو الرعاية. المبتغى مشيئة الله وتبينها من خلال عقيدة إلهية مسكوبة أحياناً قوانين هي فوق الإدارة المألوفة أو تبنيها من خلال تراث تاريخي مرتبط بالعقيدة. السعي إلى معرفة مشيئة الله في موضوع مثار وليس هو القول بنظام ديموقراطي اذ ليس من كلمة إلاّ كلمة الله.
فاذا تكلم المسيحيون المشارقة عن المجمعية هم لا يقيمون نظاماً ديموقراطياً مقابل نظام الفرد فيما لو اعتبر موجوداً في المسيحية. الكثلكة نفسها لا تقول بالنظام البابوي على انه نظام الفرد. هي في المبدأ كالأرثوذكسية تقوم على الجماعة. ولكن كون الرئاسة جماعية لا يعني ان الكنيسة ذات نظام ديموقراطي. ليست الرئاسة المسماة جماعية، الا تعبيراً رمزياً للدلالة على القصد الواحد وهي تالياً سعي. الجماعة عندنا ليست بديلاً من الفرد. هي مجرد سعي إلى ان تكون صورة عن كلية الإيمان الموروثة عبر الأجيال وهو الإيمان المسلم إليها من الرسل.
لا معنى تالياً لمفهوم العدد في مجمع الأساقفة اذا اجتمعوا. المبتغى هو التراث أي الأصالة والخضوع لما سلم “مرة واحدة للقديسين”. الإجماع أو شبه الإجماع في المجمع المقدس صورة مبدئية عن التزام الحقيقة. فاعتماد قرار قائم على أكثرية الأصوات مجرد اتفاق عملي غرضه بحث قضية ولا يعني إطلاقاً تقييد ضمير أي أسقف. أجل هناك حياة إدارية عامة تظهر بالتوافق أو شبه التوافق. غير صحيح القول ان مجمع الأساقفة لا يخطئ اذا اجتمعوا فالكنيسة كفرت على الأقل مجمعاً واحداً في القرن الرابع جمع مئات من الأساقفة. الحقيقة أو الحكمة لا علاقة لها بعدد المقترعين أو الناخبين. هي فوق المجامع والكنيسة تسعى إليها سعياً ولا يستطيع أحد ان يدعي ان مجمعاً اكليريكياً في أية دورة له عصمة الله. هذا يقتضي قبولاً كنسياً جامعاً يعرف بعد سنين في حياة الكنيسة وبعد صراعات ويتجلى للأطهار. لا أعرف كنيسة واحدة في العالم المسيحي تدعي لرئاستها المسؤولة عصمة تلقائية بمجرد صدور قرار تعليمي أو رعائي. القول الشائع ان المسيحيين الأرثوذكسيين يعتقدون بعصمة المجامع المسكونية لا يعني إطلاقاً ان المؤمن مدعو ان يقبل بقرار مجمعي لمجرد صدوره. هذا يعني قبولاً تدريجياً للمؤمنين كافة أي تكرار القبول من مجمع إلى مجمع وتبين قناعة في الأمة المقدسة.
الحقيقة سعي لأن التفسير سعي. ليس عندنا أصول محاكمات تجعلك تؤمن آلياً بأي قرار صدر عن مجمع. هناك ما نسميه إجماع الآباء. كيف يكون هذا وليس من إحصاء ولا تبين وقائع؟ إجماع الآباء يعرف في التاريخ أي بعد ظهوره وتدريجياً وبعد مناقشات تطول. ليس في الكنيسة ما يشبه القانون المدني في ظاهره. هناك تفسير وتأويل وأخذ الأشياء إلى حقيقة التاريخ وإلى أقوال الأقدمين. تؤخذ الحقيقة بالسعي لا بقرار سلطوي بدليل ان قرار كل سلطة خاضع لتفسير السلطات اللاحقة. الحقيقة قبل اليوم الأخير سعي في القداسة ومحبة الإخوة واذا استفحل الجدل فلا قداسة.
أول مجمع مسكوني أي النيقاوي المنعقد السنة الـ٣٢٥ والذي أوضح ألوهية المسيح وأصدر دستور الإيمان استغرق أجيالاً لقبوله. ليس المجمع أية كانت قدسيته قبولاً فورياً وتلقائياً من المؤمنين. المجمع عندنا ليس سلطة. هو صورة قبول من المؤمنين اذا قبلوه. ليس من سلطة كنسية لها ان تقول لك نحن اجتمعنا فعليكم أيها المؤمنون ان تقبلوا اذ للمؤمنين الأطهار والمؤمنين أحياناً ان يردوا: “اجتماعكم يعنيكم ولا يعنينا”. القول للكنيسة مجتمعة بالروح القدس وليس لسلطة بشرية بحد نفسها. الله لا يساوي نفسه بأية سلطة اذا اجتمعت اذا قالت الحقيقة واعترفت بها الكنيسة في جامعيتها تصير سلطة. ليس عندنا من قوة أو فاعلية لسلطان بسبب من مركزه. القوة والفاعلية هما لما قيل وليس لمن قال. الرئيس الوحيد للمسيحي هو الحقيقة.