يواجه إيماننا المسيحيّ ، في كثير من الأحيان ، هزّات ومطبّات قويّة تجعله مضعضعًا ؛ وتجعل صاحبه كسولا متقلقلا بين الإيمان والشكّ ، بسبب عواصف العالم المعاصر المتضاربة التي تعيقُ مواصلة مسيرة إيمانه . لربّما ، في قرارة نفسه يقول : أنا مؤمن جدّا بالربّ يسوع وبتعاليم الكتاب المقدّس ، والروح القدس يغمرُ حياتي ، وأصلّي دائمًا في البيت وفي الكنيسة ، وأحضر أخويّات وإجتماعات شبيبة وأسمعُ من الآخرين الخبرات …. الخ
هذا صحيح جدّا ، فنحنُ كلّنا تربّينا على التنشئة المسيحيّة ، والكثيرين درسوا في الكليّات والمعاهد اللاهوتيّة … لكن ، عندما أجلسُ في غرفتي الداخليّة وأستقرّ بمفردي في البيت أو في الشارع ، من دون أن يكون معي أحدُ الأصدقاء ؛ أرى ذاتي واقفا ، بمفردي ، أمام الله … واقفا بإيماني وكياني وحياتي مواجهًا للوجه الآخر المختلف عنّي . هنا علاقة : الأنا – الأنت … تكونُ صعبة بعض الشيء ، لإني سأكون ” عريانـــــًا ” أمامه ، لا شيء مخفيّا .. فهو يعرفني ويعرف دقّات قلبي ، ويعرفُ ما أفكّر به وما يدور في خاطري …
في أوّل وهلة ٍ ، سأصابُ بالخوف الخفيف من نظره ، والإرتباكُ من قوّة حكمته ؛ فأشعر بالضعف أمامه . لكنّ ، بعد دقائق وأنا في صلاتي ، أدخلُ في منطقه العميق ، وأشعر بأنّي ” ابن ” له .. أحتاجُ دائمًا إلى الصلاة بأن يعطيني ” القوّة لإيماني ” والزيادة في ” محبّتي للآخرين ، والنعمة والشجاعة لمواجهة تيارات العالم الحديث ، سأستقي من الحكمة التي تنبع منه .
الشكّ ليس خطيئة ً تجاه الإيمان ، فهي – كما تقولُ الفلسفة – أقرب طريقٌ إلى اليقين … فالشكّ وليس ” التشكيك ” ، هو ما يجعلُ ” المؤمن ” يواصل مسيرة إيمانه الدائمة في الحياة ، وفي التعاليم المسيحيّة ، أمام عواصف العالم المعاصر السلبيّة ؛ لجعلها إيجابيّة في حياته ، مستفيدًا من ” خبرات ” كثيرة في الواقع ، كي تساعدهُ في جعل الواقع السوداوي المرّ ، إلى واقع أبيض ساطع جميل .
هذه المواجهة التي هي ، كإمتحان بالنسبة للمؤمن ، لا يجبُ أن يخافَ منها أبدًا ، ولا أن يتردّد في الخوض في معتركها .. فما يحتاجه المؤمن هنا : هو التخلّي وبذل الذات ، وأن يتعلّم ” التركْ ” ، تركُ أمورًا كثيرة في الحياة تعكّر صفوَ عيشته بصورة ٍ صحيحة .. والترك ، هو قلعٌ من الجذور _ كما يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته – فيصيرُ لآخر مختلف يكوّنه .
يسوع يدعونا ، في عيش ” سرّ البنوّة لله ” ، أن ” نتركَ ” ، ” نتخلّى عن ” ؛ أمورًا كثيرة كنّا متعوّدين عليها … كي ننضَج في دعوتنا للمستقبل الذي يأتي إلينا الذي هو – الآب السماويّ . نتركُ كي نولد في الله ومن الله ومع الله .. هكذا ، قد نستطيعُ أن نجد ذواتنا ونكون أبناءا حقيقيّين ، ولا نخاف في مواجهة العالم ، بل نقوى على أن نجد فيه بصمات الفنّ الإلهيّ العجيبْ . فالإيمان يقوى من ” التساؤل والبحث والإستمراريّة ” لا من ” الراحة والسكينة والجمود ” وإعتبار ذاتي بإنّي أكملتُ كلّ شيء في الإيمان وعرفته .. التساؤل ، حتى وإن كان بصوت ٍ منخفض لا عال ٍ.
زينيت