التسبحة القبطية هي مستودع خبرات الكنيسة، وهي ليست بهيِّنة، وكل من اختبرها وذاقها وفهم معانيها تأخذه، بحيث لا يجد ما يماثلها في الشمولية والدسم والعمق المستيكي الروحاني والعقيدي ، فلغة التسبحة فن فنون بمعنى الكلمة. فن روحانية الآباء العظام وتقواهم وخبرتهم.
لهذا أُلقي علينا نِير الفهم (تعالَ وانظر!!!) كلمة ولحنًا وعمقًا وسجودًا وتضرعًا وانسكابًا، مغروسين في حضرة الله وسط شعبه في مسكنه ومحل موضعه المستعد؛
حيث يكشف قالب التسبحة النصي : الأبعاد الكتابية واللاهوتية والعقيدية والروحية، كسيمفونية إيمان الكنيسة وتراثها الحي المُعاش عبر الأجيال، الذي ينقلنا بالفهم الروحي والتذوق لمعرفة الحق متجاوزين الحرف لبلوغ الروح المحيي، وإدراك الحكمة في شركة الطغمات السماوية وجماعة المؤمنين وملامسة حضور العريس السماوي، بعين الإيمان ويقينه حسب وعده الصادق. وبهذا الإيمان عينه نسبحه ونمجده ونسجد له ونباركه ونتضرع إليه واثقين بانه معنا وفيما بيننا كائن ويكون، حيث يجتمعا الماضي والمستقبل ليلتقيان في الحاضر المكرَّس.
ملاحظين كيف أن الشكل الليتورچي للتسبحة الكيهكية يأتي كدليل تثبيت لمعاينة سر التجسد الإلهي، عبر التعبير النطقي ونصوص الإبصلمودية التي تنطق بالحكمة والمعرفة الإلهية المقترنة باتفاق نغمات الخلاص، في لغة وصياغات مَحكية تعبر عن الحدث الخلاصي، وفي عبادة مرنَمة موزونة ومفعمة بروح التعزية وفرح الترقب على قيثارات النفوس، تدخل إلى العمق والحوار في حضرة مجد الثالوث القدوس ،في مناجاة جماعية لكل القلوب والألسنة طالبين الرحمة بلجاجة (قلبي ولساني للثالوث يسبحانِ. أيها الثالوث القدوس ارحمنا )، وفي نُسك فكري لتقديم كل الحواس و الفكر وبقية العقل كذبائح معقولة لله، عبر تصوير نغمي مختبئ بين النغمات والخلايا الصوتية الموسيقية.
ويتضمن الإطار الليتورچي للتسبحة كل أنواع الصلوات : التوسلات (Intercessions)، الصلوات (Prayers)، التشفعات (Supplications)، التشكُّرات (Thanksgivings) فهي مشحونة بالتضرعات والالتماسات والتوسلات والتعهدات والنذورات والتشفعات لأجل الكائنات وجميع الناس (١تي ٢ : ١). لتنسكب التسبحة ذبيحة عقلية غنية بالاصطلاحات والمعاني المليئة بالسمو، مثل لهيب لا يمكن إدراكه، ملتهم كل شيء حتى يصل ويُعلَم لدَى الله. (تجمعي في ياكل حواسي لاسبح وامجد ربي يسوع )، ويصير التسبيح حلوا في الحناجر اكثر من شهد العسل، ويحق له وحده الشكر والسجود والكرامة أبديا .
ونتجه في التسبحة الكيهكية إلى الله إله الكنيسة ورأسها وحاكمها ومالكها ومخلصها ، نتضرع إليه ونناجيه بالهامات وابداع التعابير الليتورچية وبالمديح العبقري، لنخاطبه قائلين : يا الله مخلصنا / الأزلي قبل الأدهار / الكائن في مجد أبيه / المهتم بنا والمدبر كل الأمور / حامل خطية العالم / الرب المرهوب / الضابط الكل محيي الأرواح والنفوس / إله خلاصنا / الملك الديان/ الرب المعبود/ رب القوات / الستار وحيد الآب مسياس / النور الحقاني / معدن الغفران / رب الأرباب الفادي الكريم / مدبر مختاريه / الكائن في حضن أبيه، ابن الله الكلمة / المشتاق لخلاص خليقته/ رب جميع البشرية، ملك المجد الواحد من الثالوث / الله القدير / رب وإله آبائنا مخلص كل أحد / إله الرحمة وحياة كل إنسان محب البشر الصالح / رب الدهور الحي بغير زوال / الله الآب والابن والروح القدس ثالوث إله واحد رب جميع الآلهة / الله المتعالي سيدنا القوﻱ الكثير الرحمة / ابن الله المُنزَّه / مخلصنا الوسيط يسوع المسيح / مسيا الرؤوف / إله الآلهة عمانوئيل إلهنا / ملك الملكوت الواحد من الثالوث / المتكئ في حضن أبيه الذي هو فوق كل رئاسة / صانع الخيرات الأزلي ذو الجلال الدائم إلى الأبد / إله جميع الأحقاب ذو الاسم المرتفع / إله إبراهيم الذي بسط يمينه، والجمع الممسوك مع آدم رفعه إليه / الله المستريح في قديسيه / الراعي العظيم الذي جمع المؤمنين وألَّفهم مع الملائكة وصيَّرهم وارثين لملكوته الأبدية / الذاتي مع أبيه من جوهر الإله / غير المنظور والغير المدنو منه / المتسربل بالنور والساكن في النور الذي لا يُدنَى منه / ملاك المشورة العظمى / الكائن والذي كان والذي أتى وسيأتي/ آدم الثاني المسيح الملك/ عمانوئيل مخلص العالم.
وبمناداتنا بلجاجة على الله نلتحف بالفرح من أجل حضرته بالسلام والنصرة والحلاوة والبشرَى والكرامة، ومن أجل نوالنا رتبة الفرح والسرور بسرّ التجسد الإلهي الذﻱ حوّل لنا العقوبة خلاصًا… من الحسرة والحيرة وحزن آدم النادم واكتآب الأرض المقفرة الذﻱ صار لنا بالتدبير حُرية وبنوية ومجدًا وخلاصًا ونجاة من ضيق الجنوس ورِقّ الشيطان، والذي به بلغنا أرض الميعاد، وانمحَى الرِقّ وتمزق الصك ونلنا المراد.
من أجل هذا نتهلل بالتسبيح والمديح اليسير، وتفرح نفوسنا التي كانت بهيمية (حيوانية)، وقد صارت الآن روحانية، واستمدّت قوام حياتها من قوة الحياة الإلهية، وتتزود زادًا روحانيًا يدسم روحها بدسم سماوﻱ يملأها فرحًا ولسانًا ونعيمًا، فنتقوَى على من بنا يمكرون… وتتقوى شجرة الكنيسة بالتسبيح في السر والإجهار، حاملين هدايا مُرّ البخور والرضا، ولُبان التسبيح، وذهب توبة النفوس لنبلغ مذود الملك المولود الآتي… غير المتجسد الذﻱ تجسد، وغير الزمني الذﻱ صار تحت الزمن… الحاضر معنا، وفيه قد خلَّصنا من الفساد، وتربّينا على معرفة إرادة الله. الكائن بذاته الذﻱ أتى إلى الوجود في ملء الزمان ونلنا به التبني… وهو الملء الذﻱ أخلى نفسه ليكون لنا نصيب في ملئه.