التَّسْبِحَةُ الكِيَهْكِيَّةُ أيْقُونَةٌ صَوْتِيَّةٌ ٢““
بقلم القمص اثناسيوس فهمي جورج
تشتمل الأيقونة الصوتية للتسبحة الكيهكية على خبرة إيمان قوي وحي؛ يؤكد على أن حياتنا وبقاءنا لا تصنعه القدرات البشرية؛ إنما حضور الله معنا وسط تسبيحات شعبه. فكنيسة الله الحي هي أشدّ رسوخًا من كل المؤسسات الأرضية؛ بفاعلية الصلاة المطعَّمة والموشَّحة بالعبادة والشكر والتوسل والطلبة والترنُّم؛ والتي جاءت في شكل وقالب ليتورچي مُفعَم بالتعبيرات والاصطلاحات والمنطوقات المبدِعة والعبقرية.
وبالتأمل في ما نسبح به، نجد أقولاً مستطيلة عن اللُجَّة الغير الموصوفة التي لمحب البشر. فلا يوجد أي عقل ولا أي نطق أو سَمْع يحتمل هذه اللُجَّة عندما نقترب بالتسبيح من سر التجسد الفائق لكل فهم ووصف؛ سر رسم الحمل السالم الذي به تم المكتوب؛ والذي هو عظيم وحقيقي ومكرم جدًا، السر الذي إقتادنا إلى التبنّي والتبرير وشركة الابن الوحيد وشركة الميراث في جسده؛ عندما صار هو خبز قداستنا بفرط محبته العجيبة ورحمته غير المُدرَكة؛ الصائر لنا يُنبوعًا للخلاص الأبدي. عمانوئيل الحاضر معنا في مذود بيت لحم؛ حاضر معنا بل وفينا؛ نزل إلى هبوطنا ليرفعنا إلى علوّه؛ ويجعلنا مُطوَّبين؛ لأننا نراه ونسمعه ونتحد به… الأمر الذي اشتهاه أنبياء وأبرار كثيرون.
في أيقونة صوتية حلوة نخاطب الحال فينا بتدبيره وبسر تجسده المكنون؛ الذي ظهر في عقب الأجيال؛ سر جميع الأسرار؛ فغير المدروك جسُّوه؛ وغير المنظور نظروه؛ وصار إنسانًا كاملاً؛ وغير المرئي رأوه… أحبنا من بعد العدم وخلصنا من ضيق الحبوس؛ ورد الخراف الضالة إلى الفردوس؛ وصيّرنا مؤمنين بعهده الجديد؛ متنفسين به أنفاس الله… فقد نجانا من المعاطب ومن بحر الظلمات ونار الجحيم وصيّرنا له شعبًا مبررًا وبلّغنا المطلوب. وقد أعطى الخلاص للعالم الذي خلقه بإرادته؛ ونجانا حتى لا نطيع الكذاب وأبا الكذاب؛ لأننا محسوبون عليه؛ وهو قد هزم اللص السلّاب غير الرحيم؛ القتّال للناس منذ البدء؛ والوحش والنبي الكذاب.
به إنعتقنا وأُوجدنا من بعد العدم؛ وهزم عداوة العالم المعكوس وسحق الشيطان؛ ومحا الرِقّ بالكلية؛ ودكّ الأعداء الشياطين؛ ورئيسهم صار محبوسًا. ونلنا به الفرح المخصوص؛ وأزال عنا كل الأحزان بدم صليب الحمل السالم رئيس الصلح والسلطان.
ونتقدم في التسبحة الكيهكية إلى الله بطلبات الكنيسة المجتمعة ونضعها في الذاكرة الإلهية؛ ونطلب منه أن يهب لنا كمال مسيحيتنا / وأن يرفع قرن المسيحيين / وأن يحرسنا وينجينا ويخلصنا من الفناء والشرور / وأن يسمع لنا في ضيقنا ويملأنا من حكمته ويفرِّق أعداء الكنيسة ويُبطل مشورتهم ويوصلنا للمينا وينصرنا في زمن الشدائد / نطلب منه أن يحفظ عظامنا فلا تنكسر وأن يعطينا قوة وعزاءً ويُنعم علينا بالسرور / وأن يسمع تضرعنا ويحوط علينا ويبارك ميراثه… يرفعهم ويرعاهم إلى الأبد.
أن يترأَّف علينا ويباركنا ويُشرق بوجهه علينه ويرحمنا / أن تدركنا رأفاته / أن يساوينا بأصحاب العشر وزنات / أن لا يحاسبنا على الظلم وخباثة القلب / أن يدبِّرنا بتدابيره ويُغنينا بفضل غناه / أن لا تغطينا الظلمة العالمية وأن يجدد حياتنا بالفضائل / أن ينجينا من المعاطب ويرحم صنعة يديه / أن لا يحرق جهالاتنا / ويكسر عنا فخاخ الشيطان / أن يشرق فينا بنور لاهوته كل حين / ويحسبنا مع اللص اليمين ويُضيء عقولنا وأفهامنا / أن يسحق قوات الشياطين النجسة / نطلب إليه أن يحرسنا إلى النفس الأخير ويقبل إليه بخورنا وكل قرابيننا / أن ينظر إلينا ويستجيب بعين الرحمة والتحنن / أن يهدينا برحمته إلى الغاية، ويجدد حياتنا بالفضائل.
أن يكون لنا عونًا في التجارب ويُدخلنا إلى جبل ميراثه ويغرسنا في ذاك الدار مسكنه ومحله / أن يمنحنا بهجة خلاصنا وينصت لكلماتنا وصراخنا ويثبتنا في الإيمان المستقيم / أن يملأنا من حكمته ويعطينا إتفاقًا ويكسر المعتدين على نفوسنا وأرواحنا / أن لا يحرق عدم معرفتنا مثل سدوم ولا يهلكنا مثل عامورة / ويقطع من عقولنا الخطايا والغلط / أن يبدد أعداءنا ويخذل مشورتهم إلى الغاية / أن يحل رباطات خطايانا ويكون لنا معينًا وحارسًا ومخلصًا / أن يسمعنا سريعًا ويُدركنا بصلاحه عاجلاً / أن يعطينا وقتًا هادئًا وأزمنة لذيذة / أن يستر علينا بستر جناحيه / أن يكتب أسماءنا في سفر الحياة / أن يستجيب لنا في زمن مقبول ويفرق عنا الأبالسة ولا يُهلكنا بل ينظر إلينا كل حين / أن يهدينا بأحكامه ويورثنا بيعة الأبكار / أن يثبِّت لنا ناموسه ويردنا من ضلالنا ويحسبنا مع اللص اليمين.
أن يهدينا برحمته إلى الغاية ويعطينا نصيبًا في أورشليم السماوية / وأن يرحم صنعة يديه ويجعل إتكالنا عليه ورجاءنا فيه / أن يشملنا بمعونته ويعطينا جسده مرهمًا ودمه لنا ترياقًا / أن يملأ بيعتنا من خيراته ويثبت فينا أحكامه / أن لا يحوجنا لغيره / أن يُنهضنا من كل ملل ويهدينا إلى سبله ويقبَلنا كما قبل العشار / أن لا يُوقفنا على شماله / يُغني الفقراء ويشفي المرضى ويربّي الأيتام ويُوفي عن المديونين ويفك المسبيين ويرد المسافرين وينيح الراقدين.
إنها أيقونة صوتية تضرعية لطلبات الكنيسة وتوسلاتها في تسبحتها العميقة والعريقة… التي تؤديها كأوبرا إلهية (فلسفة الحكمة ولاهوت الحكمة)، وبها نستقي اللاهوت بسِعَة؛ لأنه لنا وإننا نحياه ونتذوقه حاضرًا الآن في السماء على الأرض… تعبيرًا نطقيًا كليًا عن حياة الكنيسة وإيمانها اللاهوتي والعقيدي والروحي؛ والذي يجعل كل عضو مؤمن (كائنًا كنسيًا وكائنًا ليتورچيًا مسبحًا وعابدًا) يسبِّح السر المكتوم منذ الدهور.
ليتنا نكتشف جمال وعذوبة التسبحة لنعرف عطية الله ونحياها عبر التعابير والألحان والنغمات الروحانية… ونصغي إلى ذاك الذي هو مُحتفىَ به في وسطنا؛ حتى تكون عبادتنا بالروح والحق… بالفم والذهن؛ عبادة عقلية دون جمود في مشاركة وإنسكاب؛ لنعيش تجسد الابن الكلمة بحسب التقليد الحي المقدس؛ الذي يحقق ويُأوِّن الأحداث الإلهية ويجعلها آنية (الآن) في تسبحة إبداعية حاوية كل اللاهوت، تستجلب المعاني السرية لأحداث الخلاص في استجابة بلاغية وأسلوبية لخبرات الآباء الأولين في كنيسة القرون الأولى… وهي في جملتها مرآة تعكس عظمة وجمال عبادتنا: جمال المسيا المولود والكنيسة عروسه.