نال لبنان في الأعوام المنصرمة حصة وفيرة في رصيد دولي للصور الرقمية المزوّرة، مثل تلك التي تُظهر مريضاً يُدخن في أحد المستشفيات، إلى الصورة الحديثة التي نُسبت لطفل يغرق قبالة أحد الشواطئ اللبنانية. كيف نعرف إذا كانت مثل هذه الصور مزورة وهي تنتشر بسرعة الهشيم في مواقع التواصل الإجتماعي المتنوعة؟
يفتقد لبنان علماً يقوم على تحليل الصورة الرقمية، ولا مصدر رسمياً يحقق في صحة تلك الصور لمعرفة ما تحتوي من تفاصيل. إنطلاقاً من هذه الإشكالية بادر الباحث في المعهد الجامعي للتكنولوجيا في الجامعة اللبنانية، فرع عبيه، الدكتور علاء هلال وفريق يعمل معه، إلى تطوير برنامج يقدّم مجموعة خدمات للتحقق من أصالة الصورة وموثوقيتها.
“التحليل الجنائي للصور الرقمية”، هو العنوان العريض للبحث الذي يطلعنا على تفاصيله الدكتور هلال في حديث لـ”النهار” قائلاً: “إنه حقل بحث جديد نسبيًا يهدف إلى التحقق من صحة الصورة وأصالتها وتأكيد كونها موثوقاً بها، وذلك من خلال معالجة مشكلتين رئيسيتين: التعرف إلى جهاز التصوير الذي التقط الصورة، والكشف على آثار تزوير محتملة تعرضت لها الصورة بعد مرحلة التقاطها”.
انطلق الفريق من مختبر بحثي في الجامعة اللبنانية منذ ستة أشهر، وهدفه إيجاد التحليل الجنائي للصور الرقمية وتطويرها في لبنان، وتألف الفريق من الباحث الرئيسي هلال ومجموعة من الأساتذة الباحثين المتفرغين وطلاب المعهد الجامعي للتكنولوجيا – عبيه.
ويوضح هلال أن الفريق يقوم بهذا العمل بعدما لمس حاجة لبنان إلى هذا النوع من العلم، “إدراكاً منا لأهمية الصورة في عصرنا وارتباطها بالخبر وبالمعلومات التي تنقلها وتأثيرها في الرأي العام”.
يسعى الدكتور هلال وفريقه الى جعل نتائج بحثه المرجع الأول في لبنان للتحليل الجنائي للصورة الرقمية، “وتتماشى رؤية هذا البحث ومهمته مع استراتيجية الجامعة اللبنانية في دعم الأبحاث العلمية المرتبطة بحاجات المجتمع”، موضحاً أن المراد من البحث المميز توظيف نتائجه في خدمة الدولة وأجهزتها كافة.
كيف يعمل البرنامج؟
طوّر الدكتور هلال وفريقه برنامجاً حاسوبياً يسمح بتحليل الصورة الرقمية، ويتحقق من الصورة الرقمية من خلال 6 طرق مختلفة، وتنقسم هذه الطرق مجموعتين، المجموعة الأولى تبحث في المعلومات المرتبطة بالصورة من دون التطرق إلى مضمونها:
أولاً: (Image Source Identification) “تسمح هذه الطريقة باستخراج بصمة الصورة، الأمر الذي يسمح بمقارنة هذه البصمة بقاعدة بيانات لاعداد هائلة من أجهزة التصوير، ما يمكّننا من معرفة الجهاز الذي تم من خلاله إلتقاط الصورة.
ثانياً: (Image Quality Analysis) طريقة أخرى تسمح بتحليل مقدار جودة الصورة الذي يمكننا من معرفة ما إذا تم تعديل هذه الصورة وحفظها عبر أحد برامج تعديل الصور أم لا.
ثالثاً: طريقة تسمح باستخراج معلومات إضافية لا تكون مرئية كاملة للمستخدم
كالتفاصيل المرتبطة بتكوين الصورة، تفاصيل جهاز (Meta Data Analysis) العادي التصوير، تفاصيل برنامج تعديل الصور في حال تم تعديل الصورة بعد التقاطها.
ويمكن خصائص هذه المعلومات أو غيابها أن تشير إلى احتمال وجود تزوير.
أما المجموعة الثانية من طرق التحليل فتبحث في مضمون الصورة عن آثار تزوير من خلال طرق الرياضيات، “وهي تسمح بـ (Error Level Analysis) وهذه هي الطريقة الرابعة التي نحلل فيها مستوى الخطأ بتبيان الأجزاء المضافة او المعدلة حديثاً في الصورة، وتظهر الأجزاء الزائفة طبقات ألوان مختلفة عن باقي أجزاء الصورة”.
وضمن المجموعة الثانية هناك الطريقة الخامسة التي تكشف عن آثار تكبير أو تصغير خضعت لها أجزاء من الصورة، “إذ أنه من أجل تزييف صورة، يتم غالباً دمج أجزاء من (Resampling Detection) صورتين مختلفتين، وفي معظم الأحيان تكون هذه الأجزاء في قياسات مختلفة، الأمر الذي يُلزم تكبير أو تصغير أحد هذه الأجزاء”، يفيد هلال.
وتكشف الطريقة السادسة عن آثار مستويات جودة مختلفة في الصورة، “علماً أن الصورة الرقمية تتكون من (Principal Component Analysis) موحدة عندما تكون أصلية”، يؤكد هلال ويتدارك: “إلا أن الأمر ليس دائماً صحيحاً في الصورة المزورة، إذ أنه عندما يتم دمج أجزاء من صورتين مختلفتين بهدف تزييف صورة ما، قد تنتمي أجزاء كل صورة إلى جودة مختلفة، ما ينتج صورة نهائية بمستويات مختلفة من الجودة”.
ماذا عن الخطوات المستقبلية لهذا البحث؟
“سنعمل على تطوير طرق التحليل الجنائي للصور”، يقول، “وسنضع نتائج هذا البحث في خدمة الدولة اللبنانية عموماً وأجهزتها الأمنية خصوصاً، وأيضاً نشر النتائج العلمية التي توصلت إليها طرق البحث في مؤتمرات ومجلات عالمية”.
وبسؤال هلال عمّن يدعم هذا البحث؟ يجيب: “إن الجامعة اللبنانية تدعم هذا البحث مادياً لمدة سنتين بقيمة 30 مليون ل.ل، بحيث تغطي هذه القيمة كلفة تأمين الوثائق والمراجع، كلفة تجهيزات ومواد مخبرية كعدد من حواسيب ذات مواصفات عالية، وكذلك بدل الأعمال الحقلية والمشاركة في المؤتمرات”.
يرحب الدكتور هلال بالمهتمين بمعرفة المزيد عن هذا البحث أو الإفادة من نتائجه للتحقق من صحة أي صورة رقمية، وذلك من خلال التواصل معه عبر بريده الإلكتروني:
alaa.hilal@ul.edu.lb
النهار