“إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ” (رو 3: 23).
يستعمل البعض هذه الآية ليجزم بعدم صوابية “عقيدة الحبل بلا دنس” المريمية.في الواقع، هذه الآية ليست بصدد مشادة حول براءة مريم من الخطيئة الأصلية، ولكن حول “حالة تصنيف” اليهود والوثنين أمام الله. الرسول بولس كان يكتب الى مجتمع روماني مختلط بين جذور يهودية و أخرى وثنية، وكان هذا المجتمع يناقش سؤال في غير محله:هل اليهود هم أقرب إلى الله من الوثنيين ؟؟؟
في الحقيقة “من المفضّل عند الله” كانت مسألة مغرية حتى عند الرسل. ألم يتشاجر هؤلاء حول من كان الأعظم في ملكوت الله (لوقا 22:24)؟؟؟؟يلفت الكاتب الكاثوليكي “شيا” أن مسيحيي اليوم ليسوا بأفضل: لا يزال لدينا اسئلة مشابهة. قد لا نستخدم مسألة العرق أو الأصل الإثني باعتبارها العامل الحاسم في تحويلنا “المفضلين عند الله” و لكن لدينا أساليبنا في مسابقات الجمال و التركيز على العطايا الروحية و التنافس في “المعرفة” و نقارن بالرخاء و حتى في الأعمال الخيرية!!! تبدو مسالة التصنيف هذه متجذرة بعمق في النفس البشرية.ويشبّه صديقنا الكاتب مسألة “من المفضل عند الله اليهود أم الوثنيين؟؟؟” بقلق مجموعة من مرضى سرطان مميت قلقين من حالته “مميتة أقل” من غيره!!!
(الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله) توضح حاجة “الجميع” الى المخلص: وهذا لا يتناقض مع العقيدة المريمية. فمريم كانت بحاجة إلى الفداء وقد افتديت فعلاً بنعمة المسيح لكن بشكل مسبق و” كانت العلة الغائية للحبل بمريم البريء من الدنس هي أمومتها الإلهية”. القديس بولس، الذي كان يعرف المزامير جيداً كان يذكّر مجموعة روما المتناحرة بالمزمور الرابع عشر (كلهم قد حادوا جميعًا وفسدوا معًا وليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد). و لكن بولس كان يعرف أيضاً أن المرنم داوود في مزموره الثامن عشر يتغنى بالرب الذي يجازيه على “برّه” (يجازيني الرب مثل بري، مثل طهارة يدي يكافئني…) فهل يناقض كاتب المزامير نفسه؟!طبعاً لا!! و لا يجب أن تُقرأ الأمور بشكل حرفي أو مجتزء. و من الجدير بالذكر أن قراءة حرفية لآية الرسالة الى أهل روما تجعل من يسوع “إبن الإنسان” الكامل من الأثمة: منطق يناقض الحقيقة و التعليم و مضمون الرسالة نفسها!!!
خلاصة القول: أن داوود في هذا المنحى لم يكن يدلي بتصريحات “قانونية” ؛ و بالمثل يستعمل الرسول بولس طريقة تعبير مماثلة ليوصل رسالته:أن البشريّة كلها في حالة عوز وجوع إلى “المجد”، و لكن لا الى ذاك “البريق” الذي يعطيه البشر بل الى مجد الله.وبالحديث عن مجد الله : يبقى القول أن نعمة حواء الجديدة مريم في برائتها من الخطيئة الأصلية يتألق وجه من وجوه مجد الله المتجلي بمحبته لنا … و على ما يقول البابا فرنسيس في صلاته في عيد سلطانة الحبل بلا دنس ” أن نعلم، أنك يا أمنا، خالية تماماً من الخطيئة، هو عزاء كبير لنا. أن نعلم أن الشر لا سلطان له عليك، يملؤنا بالأمل والقوة في نضالنا اليومي الذي نواجه ضد التهديدات من الشرير. لكننا لسنا وحدنا في هذا الصراع، نحن لسنا يتامى … وعلى الرغم من أننا خطأة، نحن ما زلنا أبناءك، أبناء البريئة من دنس الخطيئة، ومدعوون إلى القداسة التي تضيء فيك بنعمة الله منذ البداية… فلتحرر قوة محبة الله التي حفظتك من الخطيئة الأصلية، الإنسانية من كل شكل من أشكال العبودية الروحية والمادية، ولينتصر مخطط الرب الخلاصي في كل القلوب وفي التاريخ….”
زينيت