دقت الحركة الثقافية- أنطلياس، ناقوس الخطر إزاء “الجرائم المرتكبة بحق التراث الإنساني في مختلف مناطق سوريا والعراق”، داعية المنظمات العربية والدولية إلى “تحمل مسؤولياتها فورا تجاه الحفاظ على الآثار النادرة التي تهددها همجية داعش”.
جاء ذلك في نداء وجهته الحركة، بمناسبة انتهاء الدورة 34 للمهرجان اللبناني للكتاب الذي نظمته في مركزها في إنطلياس، جاء فيه “يرى قطاع واسع من المثقفين اللبنانيين ان من واجبه لفت نظر الرأي العام اللبناني والعربي والدولي الى الجرائم المرتكبة بحق التراث الانساني، ودعوة المنظمات العربية والدولية ذات الصلة – وبخاصة الاونسكو والايسيسكو والأليكسو على وجه الخصوص- الى تحمل مسؤولياتها فورا تجاه الحفاظ على الآثار النادرة التي تهددها همجية ما يسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) بالابادة والاندثار”.
واذ ذكر ب”ما حدث لكنائس ومساجد وصروح ومعالم أثرية في مختلف المدن السورية، ولمتحف المعرة ولمكتبات خاصة وعامة ومراكز أرشيف مختلفة عامة وخاصة، وقيام عصابات منظمة بتهريب التحف الاثرية من مختلف مناطق سورية والعراق”، توقف “عند حدثين خطرين: تدمير نمرود والحضر، وتحطيم متحف الموصل.
أولا: نمرود هو اسم البطل التوراتي الوارد في سفر التكوين (الفصل العاشر). يعود تاريخ نشوئها الى الألف الثالث قبل الميلاد، او قبله بقليل. أبصرت المدينة القائمة بآثارها الحالية النور كعاصمة أشورية في عهد الملك شلماناصر الأول (بداية القرن الثالث عشر قبل الميلاد)، الذي دعاها كلح واستمرت لاحقا عاصمة إدارية وسياسية ومركز إشعاع إنساني كبير في عهد ملوك الحقبة الآشورية الاخيرة، بعد هجرها الى خورساباد (دور شروكين ونينوى) بين القرنين التاسع والسابع ق.م. والتي انتهت بسقوطها عام 612 ق.م. تحت ضربات التحالف البابلي الميدي. وفي بداية القرن التاسع عشر، باشر الحفر في الموقع السير اوستن لايرد أبو “العاديات الآشورية” في المتحف البريطاني… ثم أتمها بطريقة علمية دقيقة البروفسور ملاوان زوج السيدة أغاتا كريستي الروائية البوليسية الغنية عن التعريف. تُعتبر مدينة نمرود إحدى العواصم الآشورية التي شاركت في بناء الحضارة الإنسانية في وجهها الآشوري لمدة سبعة قرون كأحد مصادر الإشعاع الأكثر تأثيرا… وقد زودت بصورة خاصة كلا من متحفي بغداد والموصل، وهي اليوم إحدى نواحيها، بآثار نادرة. أما الثيران المجنحة، فهي ما تزال شاهدة وستبقى على ذكاء الإنسان وعلى غبائه.
ثانيا: ألحضر: على نحو ثمانين كيلومترا من الموصل باتجاه بغداد جنوبا والانحراف مقابل شرقاط (آشور، العاصمة الأولى للامبراطورية التي تحمل اسمها) لكي تتغلغل في بادية او جزيرة الموصل او تكريت، وفي منتصف الطريق بين دجلة والفرات والى يمين وادي الثرثار، تنتصب آثار مدينة الحضر التي كثر الحديث عنها هذه الأيام وعما حدث في قاعة او قاعات آثارها في متحف الموصل. نشأ هذا المتحف صغيرا وواعدا لأن حكومة الاستقلال أرادته صورة الأيام الآتية، ثم ما لبث أن توسع حتى أصبح مركزا للأبحاث، فازدادت محتوياته كما ونوعا، وبات يضم الكثير من التحف والنوادر التي تعود الى الحقبات المتوالية من تاريخ هذه المدينة العريقة: ما قبل التأريخ ولا سيما الآشورية منها، والتي توالت على المنطقة الشمالية، أي الحقبتين المسيحية ثم الإسلامية مع شواهد على هندستها، وهدم جزء هام منه.
أما الأهم في ما رأيناه على شاشات التلفزة، فهو يتعلق بمدينة الحضر التي عاشت وخلفت الامبراطورية الآشورية في بداية القرن الثالث ق.م. واستمرت حتى منتصف القرن الثالث ب.م. وأنهى وجودها السياسي أردشير او ابنه شابور الاول في ولاية عهده. إن سكانها يطلقون على أنفسهم اسم العرب. تبنوا اللغة الآرامية وكتبوا بها وتركوا وراءهم حضارة فريدة وفنا نادرا أخذ من الفرثيين وورثوا الآشوريين واحتكوا بالرومان ومن خلالهم بالهندسة اليونانية وخلقوا حضارة خاصة بهم لا مثيل لها. إن آثار الحضر نادرة، ومجملها اليوم في المتاحف العراقية وما دمر من آثار أصلية قد يكون ضاع نهائيا.
ثالثا: في الموقف: إن المثقفين والمشاركين في فعاليات المهرجان اللبناني للكتاب- السنة 34، يشجبون جرائم الحرب الموصوفة التي حصلت في العراق وفي سوريا، التي قامت وتقوم بها مختلف الاطراف المسلحة وآخرها تنظيم “داعش”، وتستنكر ما أصاب السكان المدنيين المسالمين من قتل وخطف وتعذيب واقتلاع وسبي، وبخاصة ما واجهه المسيحيون في الموصل وسهل نينوى ومنطقة الحسكة”.
وإذ أهاب ب”كل القوى الاقليمية والدولية الامتناع عن تسليح القوى غير الشرعية وتحقيق المخططات والاطماع وتسعير الصراع الداخلي”، دعا “كل أبناء الشعبين العراقي والسوري الى وقف الحرب الاهلية، ومحاصرة فلول الارهاب والقتل، والتخلي عن العنف المسلح، والحفاظ على كل المعالم الاثرية والمخطوطات والمكتبات والمتاحف والمساجد والكنائس وكل المعالم الحضارية التي أنجزتها شعوبنا في الحقبات المتعاقبة”، مهيبا ب”كل الاطراف الحفاظ على الحريات العامة والخاصة وعلى حقوق الانسان في هذه المنطقة، التي شهدت أولى خطوات الانسان في مجال الكتابة والفن وسائر مظاهر الثقافة”، معتبرا أن “الجامعة العربية ومجلس الامن ومنظمة الاونسكو ومنظمة الايسيسكو ومنظمة الأليكسو تتحمل المسؤولية الاولى في الحفاظ على الانسان والمعالم الحضارية في كل من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وسائر الدول العربية”.
وختم “إن القوى الثقافية الحية المشاركة في فعاليات المهرجان تذكر بوجوب وضرورة حل القضية الفلسطينية على قاعدة القرارات الدولية ذات الصلة، وايقاف الاستيطان واحترام حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والحفاط على هويته”، كاشفا أن “هذه القوى تؤكد زيادة عديد الجيش اللبناني إلى ما لا يقل عن خمسين ألف عنصر وتزويده بالأسلحة النوعية أرضا وبحرا وجوا، واتخاذ الخطوات الفعالة مهما كانت لفك اسر المخطوفين العسكريين، وعلى إلحاحية انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية فورا، وبلا أي مماطلة أو تأخير أيا تكن الذرائع والمبررات”، معتبرا أن “أية عرقلة لهذا الانتخاب تندرج في باب الخيانة العظمى للمصالح العليا للبنان الشعب والدولة والوطن”، داعيا كل فرد من أفراد الشعب اللبناني أن “يكون حارسا للسلم الاهلي ورافضا لكل أشكال العنف التي يبشر بها البعض ويعمل لها الاعداء، وأن يتشبث الجميع بالحفاظ على استقلال دولتنا وسيادتها وحريتها ووحدتها”.
وطنية