تسجل أولى محاولات التعرض للمسيحيين بقسوة أواسط القرن التاسع عشر بالترافق مع هجرة اليهود إلى فلسطين، وفي ظل الاتفاقيات التي عقدها مؤسس الدعوة الصهيونية ثيودور هرتزل مع السلطنة العثمانية لتسهيل الهجرة. اليوم يرى مراقبون ومتابعون بأن سكوت العالم عن فناء حضارات وجماعات إثنية ودينية في المنطقة يخدم المشروع الصهيوني.
في كتابها “السلطان عبد الحميد الثاني ودوره في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين” تشير الكاتبة الأردنية فدوى نصيرات إلى ازدياد عدد السكان اليهود في فلسطين إلى ثلاثة أضعاف في الفترة التي كان عبد الحميد في السلطة بين ثمانينات القرن التاسع عشر والعام 1909″.
تشير المراجع التاريخية المختلفة إلى أن التعرض للمسيحيين في شمال العراق بدأ في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لكن أكثر عمليات التعرض لهم، والمجازر التي ألحقت بهم، كانت زمن السلطان عبد الحميد، وبعده، وعلى أيدي ولاته في الأقاليم التي يتواجد فيها المسيحيون.
ولا بد من التنويه بأن السلطان عبد الحميد كان يتدخل بإيفاد قوات من عنده لوقف المجازر إثر وقوعها، معلناً حمايته للأقليات. لكن تدخلاته المتكررة لم توقف الاعتداءات ولا المجازر نظراً لحساسية الموقف الذي أنتجته الدعوات المتجددة للاستقلال والتحرر لدى الأقليات المسيحية، محفزة من قبل الإرساليات والمرسلين الأجانب وقنصلياتهم في ظل اتفاقية الامتيازات التي أتاحت حرية التحرك للأوروبيين في أرجاء السلطنة.
وربما كانت المجازر ردود فعل قاسية مارسها العثمانيون يوم بدأوا يشعرون بتفكك دولتهم أمام الهجوم الغربي الاستعماري المتنامي على المنطقة.
في كتابه “تاريخ ما أهمله التاريخ: دماء بريئة” للأب السرياني سهيل قاشا، يتحدث الأخير في “تمهيد تاريخي” عن “سعي السلطان عبد الحميد إلى القضاء على الحركات القومية.. في وقت كانت الجرائد الأرمنية والصحف العربية والسريانية في أوروبا تنتقد عبد الحميد وتطالب بالاستقلال في عدد من الولايات”.
يقدم قاشا عرضاً لأبرز المجازر التي تعرض لها السريان والأرمن منها “مذبحة حلب “١٨٥٠”، و”الفتنة في مرعش ١٨٩٥”، و”مذبحة الرها ١٨٩٩”، و”مذبحة سويرك”، ومجازر أخرى عديدة، تشمل العديد من القرى والبلدات، وفيها أهوال تعرضت لها هذه المناطق، أدت مع سواها في بقاع أخرى من السلطنة، إلى “وصف عبد الحميد بالسلطان الأحمر لكثرة ما سفكه من دماء”، بحسب الكاتب.
بعد عرضه للمجازر، والقرارات التي اتخذت بها من قبل حكام السلطنة، ينتقل قاشا إلى فصل “سفر برلك” (١٩١٤-١٩١٨)، مشيرا إلى أن “الفرمان الذي أصدره السلطان محمد رشاد العثماني عام ١٩١٥، (عقب خلع عبد الحميد ببضع سنوات)، بقتل المسيحيين في جميع أنحاء الامبراطورية الواسعة وبشكل عام دون محاكمة أو احتجاج”.
يقول قاشا في هذا الفصل إن هناك سراً وهو “أنه وراء تلك المجازر والمذابح كانت الصهيونية العالمية واليهودية التوراتية متمثلة بأزلامها من الألمان والانكليز والفرنسيين الذين كان القتل والذبح يجري تحت عيونهم الرمداء”.
ثم ينتقل للحديث عن السبب وهو أن “اليهود الصهاينة ما زالوا يعانون من عقدة بابل الخالدة فيعتبرون السريان مع الكلدان والأشوريين أحفاد أبناء وادي الرافدين الذي أسقطو دويلتيهم يهوذا وإسرائيل”.
التاريخ يعيد نفسه
هذه الوقائع التاريخية يقاربها الأب طوني خضره، رئيس الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة – لبنان (أوسيب لبنان)، من منطلق أكثر حداثة. يقول “إن إسرائيل تريد أن تقول لكل العالم: انزعوا من أذهانكم العقل التعايشي. وهي تريد أن تجعل من دولتها دولة عبرانية فقط، ولا تريد فيها عرباً، وستتذرع بما يجري في العالم العربي والإسلامي من المظاهر التكفيرية وتقاتل الطوائف”.
لذلك فإن “الحروب حدثت منذ أربعة آلاف سنة في الشرق، بين الشمال أي الموصل ونينوى، والجنوب، وفيه العبرانيون”، يضيف خضره، مشيراً إلى أن “داعش سارع لاحتلال قرقوش التي تضم تابوت العهد، وفيه أغراض موسى ولا أستبعد أنهم وصلوا إلى هناك وأخذوا الأغراض التي لا بد أن تكون قد أصبحت بيد اسرائيل”. في هذا السياق تأتي دعوة خضره إلى تفعيل الحوار بين الأديان لأنه “يمنع تبرير إقامة كيانات من لون واحد كالكيان الصهيوني”.
من جهته يلفت الكاتب حسن قبلان استناداً إلى معلومات مؤكدة أنه “في عام 2003 عندما سقطت بغداد بيد الاحتلال الاميركي، أقدمت فرقة من الموساد الإسرائيلي بالتعاون مع الأميركيين على سرقة متحف بغداد، وعملت على سرقة نصوص شرائع حمورابي الأولى والقيثارة الأولى التي عرفتها البشرية. بمعنى آخر فإن الكيان الإسرائيلي يريد إلغاء كل النصوص السابقة للنص التوراتي، وكل جماعة بشرية موجودة في هذه المنطقة قبل القبائل اليهودية التي كانت قد انتشرت أو تشتتت وضاعت في هذه المنطقة يجب أن يلغى وجودها أيضاً”.
ويعرب قبلان عن اعتقاده بأن “حرباً حضارية بكل معنى الكلمة تدور اليوم” مضيفاً أن “المشروع الصهيوني يريد أن يقول للعالم أن ألفي سنة من المسيحية في المنطقة و١٤٠٠ سنة من الإسلام، لم يحملا من الحقيقة شيئاً. المشروع الصهيوني يريد أن يقنع العالم أن الحقيقة الأساس في هذه المنطقة هي الحقيقة اليهودية والحقيقة التوراتية”.
وبحسب قبلان فإن “عملية اقتلاع المسيحيين العراقيين وتالياً اللبنانيين والمصريين وتضييعهم في العالم يسهل لإسرائيل الادعاء بأن وعود التوراة ورؤاه هي الصحيحة في هذه المنطقة، وهذا الأمر مدفوع لكنيسة غربية متصهينة”.
ويخلص قبلان إلى أن “سكوت العالم على فناء حضارات وجماعات لغوية إثنية دينية كما يحصل اليوم للإيزيديين والمسيحيين في الموصل، وسهل نينوى، وعين تاوا وكل هذه المناطق يخدم مشروعاً صهيونياً بأدوات تحمل أسماء عربية تدعي وصلاً بالاسلام، ويثبت اليوم بالملموس أنها مخترقة من الموساد الإسرائيلي بشكل واضح”.
نقولا طعمه
المصدر:الميادين نت