«لا أستطيع التشبّه بها، فجوليانا قوية لأنّها مدعومة من عائلتها وأصدقائها، فهي كلّما واجهت مشكلة يلتفّ حولها الجميع ويدعمونها معنويّاً وعاطفيّاً حتّى حين تخطئ. عندما فقدت والدها العام الماضي كان الجميع بقربها، من عائلة والدتها ووالدها، هي لم تكن تتكلّم مع أحد، ورغم ذلك كان الجميع حاضراً للإستماع لها والتخفيف عنها، يحاول تقديم الطعام لها وغير ذلك، ما أشعرني بالغيرة تجاهها، فالمحيط الذي أعيش فيه من أقارب وأصدقاء لا يقلّ عدداً، إنّما نوعية التواجد وإعطاء الدعم يختلف»؛ قالت رولا ذلك وهي تشعر بغصّة ثمّ تابعت، «تجتمع العائلة عندنا كلّ نهاية أسبوع، إلّا أنّنا لا نتشارك المشكلات والظروف التي يمرّ بها كل فرد منّا، وعندما أظهر أمامهم تعبة أو أحاول شرح أمر لطلب المساعدة، يرفضون ذلك ويجيبون بأنّ العائلة تجتمع بهدف التسلية والمرح، وبأنّ نهاية الأسبوع هي للراحة من المشكلات والهموم».
تحتاج رولا للوجود الداعم والفعّال، فما تريده هو الحضور النوعي وليس الكمّي، فعندما تعرّضت للتحرّش عبر الفايسبوك ساعدها شقيق جوليانا في تخطّي أزمتها، بينما لم يتفهّم أشقاؤها ما كانت تمرّ به.
نحتاج جميعاً للدعم المعنوي والعاطفي، نرتاح عندما يضع شخص يده على كتفنا ويقول لنا بأنّه موجود ليساعدنا عندما نحتاج له. كما نشعر بالحب والإحتواء لمجرد وجود إنسان مستعد أن يستمع لنا، لكل ما نحتاج قوله، دون إصدار أحكام بحقنا. لماذا لا نستطيع أن نروي لآبائنا وأمهاتنا الأخطاء التي قمنا بها دون أن نخاف من أن يدينونا، ونتأكد بأنّ رأيهم فينا لن يتغيّر؟ هل تظنون بأنّ هناك أناساً لا يخطئون؟ لا! الحقيقة هي أنّ هناك أشخاصاً يُغرقون أنفسهم بالأسرار خوفاً من فقدان محبة الآخر واحترامه لهم.
فهْمُ الآخر وتقديم الحضور الداعم له هما ثقافة نتعلّمها في البيت والمدرسة والمجتمعات القريبة والبعيدة، خاصة في زمن كثرت فيه الإنشغالات وفرّقت وسائل التواصل الإجتماعي بين الناس؛ كيف يمكننا أن ننمّي القدرة على تقديم الدعم المعنوي غير المشروط لأفراد عائلتنا وأصدقائنا والمحيطين بنا؟
كي نتمكن من تقديم الدعم علينا بداية أن نتقبّل الآخر مهما اختلفت آراؤه ومبادؤه، وبالتالي أن نتحلّى بـ:
• الإصغاء
• حس الدعابة والمرح
• الإعتدال
• المرونة
• القوة والثقة بالنفس
• القدرة على التأثير بالآخر
• الذكاء والحنكة
• الذكاء العاطفي
• التعاطف والمودة والحب
• الإيجابية
• عدم التخفيف من أهمية الصعوبة التي يمرّ بها الآخر
الإحتواء
أهمّ الظروف التي نحتاج فيها إلى دعم واحتواء الآخر هي التي لا يسهل تخطّيها، كموت حبيب أو قريب، أو فقدان مركز سياسي معيّن أو وظيفة أو خسارة ثروة من خلال العمل أو السرقة. كما نحتاج الدعم النوعي عند الإنفصال والطلاق والهجر، أو السفر؛ كذلك عند التعرّض للغدر والخيانة، عندما تهتزّ ثقتنا بكلّ مَن حولنا.
عند إصابتنا بمرض عضال، عندما نتعرّض لحادث جسدي، عندما نعاني من إضطراب أو مرض نفسي نحتاج للتفهّم والحب والدعم، نحتاج لمَن يُقنعنا بأنّه يهتم لأمرنا، لمَن نثق بأنّه باق إلى جانبنا على الدوام.
عندما نهمل دروسنا ونقصّر بواجباتنا نودّ لو نتمكّن من الإفصاح عن ذلك لأهلنا كي يساعدونا دون أن يغضبوا على إيجاد طرق كي نرغب بالدرس أكثر، كم من تلميذ يتجرّأ أن يقول بأنّه يفضّل اللعب والتسلية على الدرس والحفظ؟ الجواب معروف، وذلك لأنّ الإتهامات ستمطر عليه من كل حدب وصوب.
يحتاج مَن وقع في فخّ المخدرات لمَن يدعمه ويشجّعه على الإعتراف بما يقوم به، فيطلب العلاج.
يستطيع كل واحد منا من موقعه تقديم الدعم والتشجيع، والتفهّم للآخر، وسوف يكون الأمر بغاية السهولة عندما نتخطّى إصدار الأحكام واللوم، عندما نتزيّن بالإيجابية، عندما نتحلّى بالمنطق من جهة، وبحسّ الإنسانية الذي يقوم على الرحمة وتقبّل الآخر والتعاطي معه باحترام واعتدال، من جهة أخرى.
الجمهورية