مذهل نص الإنجيل في كنيستنا غدا حيث تجمع كل الأمم إلى المسيح حتى يدينها فيميز فيها بين الخراف التي هي له والجداء التي ليست لأحد أي يفرق بينها بمعنى انه يعلن اعتراف بعض به وبعد بعض عنه. في الحقيقة ان ما يعلن انه سيكون هو كائن لأن الله يدين قبل اليوم الأخير ما دمنا عائشين فتفرق بين قلوب له وقلوب ليست له أو في كل قلب بين ما هو له وما هو عليه. الله كائن أبدًا ولا يرجئ دينونته. هو الجامع والمفرق، هو العارف من هم في السماء ومن هم في النار. وما الدينونة سوى الإعلان الصريح عما كان كل واحد منا عليه. من هنا ان الواعي روحياً لا ينتظر الدينونة الأخيرة ليجعل نفسه تحت حكم الله. الدينونة إذًا عملية دائمة لله، حكم له في كل مخلوق. لذلك حق اعتقادنا اننا نكون هنا في السماء أو هنا في الجحيم على رجاء الرحمة.
طوبى لذلك الذي جعل نفسه تحت حكم الله أي ذاك الذي يعترف انه خاطئ دائما أي طوبى للذي لا يرضى عن نفسه ويرى أبدًا انه في حاجة إلى الرحمة. من اعتقد ان خطاياه مغفورة له دائماً بلا توبة نزل إلى الجحيم. يعجبني دائماً قبل بدء المناولة عندنا ان الكاهن ينادي: “بخوف الله وإيمان ومحبة تقدموا”. خوف الله يسبق الإيمان والمحبة. المسيح لم يلغ خوفنا من الله. ضم إليه المحبة. العهد الجديد لا يلغي الخوف الذي في العهد القديم. ينقيه إذ يجعله توطئة للمحبة. المسيحية ليست اختلاطاً عاطفياً مع الله. هي قبول لمحبته وتالياً خضوع له. هي التزام منا بعد ان كانت منه التزاماً لنا.
في هذه الثقة تتم دينونة الله، ولكن ليس من غفران إلاّ بعد قبولنا ان ندان ونخضع للحكم. لا محبة لله عندنا الا إذا قبلنا دينونته أي إذا قبلنا تطهيرنا منه. من لا يقبل الدينونة يخلط نفسه بالله وهذا جحود.
يخطئ تاليًا من اعتقد ان الدينونة هي حصراً في اليوم الأخير. انها عملية جارية بيننا وبين الرب. أنت لا تصعد إلى السماء فقط في اليوم الأخير. أنت الآن في السماء أو في النار، هذا تابع لمقدار حبك. بكلام آخر إذا دنت نفسك لا يدينك الله. السماء قائمة ما دام الله والجحيم قائمة ما دام الله والله فيهما بفاعليتين.