في الذكرى الـ15 لمصالحة أبناء الجبل التاريخية، يستوقف كلام رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على بقاء أهل الجبل معاً وعبثية “حرب الجبل” وعدم العودة الى اي نوع من الحروب أياً تكن الظروف. كلام يجب أن يشكل دعوة صريحة إلى قسم كبير من مسيحيي الجبل للعودة الفعلية الى قراهم وبلداتهم في أرجاء الشوف وعاليه وإبعاد الأفكار “الإنعزالية” عنهم اذا صح التعبير، والتي يروجها سماسرة العقارات وعدد من اصحاب المصالح الشخصية والموتورين الطائفيين، ومختصرها “ان تلك الانحاء ليست لنا والأجدى أن نبيع عقاراتنا وننتقل إلى مناطق أخرى” يعتقدون أنها صافية طائفياً وتشكل ملاذاً لهم.
تحققت العودة الى الجبل على رغم كل الكلام و”النق” من هنا وهناك. والمصالحة التي طال انتظارها تحققت أخيراً في بريح بين أبناء البلدة الواحدة، وبعد الانتخابات البلدية والاختيارية والنيابية بكل اصطفافاتها وغرضياتها الحزبية، وعودة التواصل بين ابناء الطوائف جميعاً، يتوجب ان تشكل هذه المعطيات الإيجابية حافزاً اضافياً لأهالي الشوف وعاليه على العودة الى الجبل والاقامة فيه وعدم الإكتفاء بزيارة البيت الريفي خلال عطل نهاية الاسبوع والأعياد وترك القرى مهجورة طيلة فصول الخريف والشتاء والربيع. والبداية تكون من مدينة الدامور التي عاد أربعة آلاف ونيف من سكانها اليها، لكن منازل كثيرة فيها تبقى مظلمة مساء ويفوق عددها بأضعاف عدد المنازل المضاءة في الأحياء ، ومن مهمات بلدية الدامور الأولى و”الاستراتيجية” اذا صح التعبير التشجيع على اضاءة المزيد من المنازل، وذلك من خلال دفع العائلات الجديدة من ابناء الدامور للعودة الدائمة الى بلدتهم والإقامة فيها، فالقرى والبلدات الصغيرة تتشجع بعودة البلدات الكبيرة وتتعزز امكانات السكن فيها خصوصاً ان بلدات كبيرة – مدن مثل الدامور ودير القمر ورشميا وبحمدون لا تبعد كثيراً عن بيروت، وهي أقرب الى العاصمة ومقار العمل المدينية من كسروان وجبيل واعالي المتن.
لا ذريعة تبرر بقاء القرى والبلدات المسيحية فارغة من سكانها شتاءً وخلال أيام الاسبوع، لأسباب عدة في مقدمها قرب هذه المناطق من بيروت وقيام شبكة مواصلات لا بأس بها على رغم زحمة السير المعممة على مداخل بيروت الشمالية والجنوبية والشرقية. ويوفر السكن في هذه القرى والبلدات ملايين الدولارات على أبنائها الذين يشترون شققاً سكنية في مناطق اخرى وينفقون العمر في سداد الاقساط والفوائد للمصارف والمؤسسات المقرضة. ولا مبرر للتذرع بعدم وجود مدارس او جامعات مثلاً، ففي دير القمر فروع جامعية عدة خاصة مسيحية وعامة، وهناك مثيلات لها في أرجاء الجبل، وفي مطلق الاحوال يتوافر الانتقال السهل ما بين الجبل والمدارس في قضاء بعبدا مثلاً اضافة الى عوامل البقاء في الجبل. اما التذرع بانعدام فرص العمل فهو معمم على كل ابناء الجبل والمناطق والطوائف ولا حل إلا باعتماد نصيحة مؤسسة “لابورا” بالعودة الى القطاع العام والالتحاق بوظائف الدولة المدنية منها والعسكرية مع كل مستلزمات هذه المهمة وشروطها ومنافعها.
لا يمكن المسيحيين بصريح العبارة الاستمرار في التهرب من مسؤوليتهم التاريخية تجاه أنفسهم وبلداتهم وانتظار مبادرات لن تأتي، بل عليهم تتبع خطى الرهبان الموارنة الذين اقاموا فرعاً لجامعة سيدة اللويزة في دير القمر، ويشترون الأراضي التي يعرضها أبناء البلدات والقرى المسيحية في ارجاء الشوف وعاليه ويعيدون بناء الاديرة وترميمها بشكل حثيث الى جانب اقامة المشاريع الزراعية والحيوانية وتأجير الاراضي لاغراض الاستثمار وافادة المواطنين. وعلى مسيحيي الجبل محاسبة احزابهم ووزرائهم ونوابهم وبلدياتهم على مسار ادائهم وانتاجيتهم ومردود هذا الأداء على مجتمعاتهم، لأننا اصبحنا في القرن الـ21 ولا مسافات ولا حدود بعد اليوم إلا كرامة المواطنين وسعادتهم.
بيار عطاالله
النهار