هنيئًا لك عندما يهاجمك بضرواة المتطرّفون من كلّ حدب وصوب. فلسنا نقول قولاً جديدًا حين نكرّر القول السائد بأنّ المتطرّفين، إلى أيّ ديانة انتموا، يجتمعون كافّة، وفي كلّ زمان ومكان، ضدّ صوت العقل. وهل المتطرّف سوى الذي لا عقل له، لأنّ لا قلب له أصلاً؟ ألم تماهِ المسيحيّة ما بين العقل والقلب؟
هنيئًا لك لأنّ في ذلك الدليل الساطع على أنّك حرّ من أسر قبيلتك وقومك وطائفتك، لكنّك أسير المحبّة التي صُلب المسيح بسببها. ألم يأتِ ليحطّم العنصريّة اليهوديّة التي أسرت الله في هيكلها وجدرانها وسبتها وشريعتها؟ ألم تتّفق المؤسّسات اليهوديّة مع الإمبراطوريّة الرومانيّة على سفك دمك؟ فكم من “المؤمنين” ما زالوا يتحالفون مع الإمبراطوريّات ليستبيحوا دمك إلى اليوم؟
هنيئًا لك إذا هاجمك ذوي الفكر الداعشيّ. فـ”داعش” ليست آفة إسلاميّة وحسب، إذ برزت في الآونة الأخيرة ذهنيّة تغتذي على “داعش” كي تقفل على المسيحيّين في غيتوات تربّي أولادها على الكراهيّة والبغض والحقد. كثيرون من غير المسلمين باتوا يغتذون على سمّ الذهنيّة الداعشيّة ليستقطبوا الأتباع المسحورين بخطاب شعبويّ لاعقلانيّ مليء بالأوهام والخرافات والعودة إلى تاريخ مجيد مضى إلى غير عودة.
هنيئًا لك إذا اتّهمك بعض السفهاء في كنيستك بإنّك “مسلم”، فيما تتلقّى في الآن عينه من بعض المسلمين الانتقادات القاسية والاتّهامات بالعدائيّة للدين الإسلاميّ. وأنت لا تهاجم الدين، بل تهاجم تصرّفات بعض “المتديّنين” المسيئين من الداخل لدينهم. وشتّان ما بين الدين والمتديّنين، وما بين المسيحيّة والمسيحيّين، وما بين الإسلام والمسلمين. وهذا الكلام ليس لتبرير الديانات، فالديانات متعدّدة الوجوه والطوائف والمذاهب، ونحن إذا انتقدنا فإنّما ننتقد الوقائع الحادثة على الأرض التي قام بها الإنسان بصرف النظر عن انتمائه الدينيّ.
ليس الإيمان سوى التحرّر ممّا يشدّ الإنسان إلى ترابه، ويسمو به إلى حضرة الله. أمّا التطرّف، وهو قطعًا نقيض الإيمان، فليس سوى عودة الإنسان إلى تمجيد ترابه ولحمه ودمه وعظامه، والهبوط من حضرة الله إلى عبادة ذاته.
الإيمان بالله يجعل الإنسان خاضعًا لحقيقة كون الله إله الناس كافّة وليس إلهه الخاصّ أو إله قوم دون قوم آخرين. والإيمان بالله يجعل الإنسان قانعًا بأنّ جميع الناس متساوون أمام الله، وبأنّه مكلّف بإظهار محبّة الله ورحمته إلى أخيه الإنسان. والإيمان بالله يجعل الإنسان عاملاً من أجل استباق الخيرات وتحقيقها في عالمنا اليوم، وليس في الآخرة وحسب. والإيمان بالله يجعل الإنسان يبتعد عن كلّ ما يشوب الإيمان بوحدانيّته، فثمّة مَن يشرك بالله عبر عبادته لذاته أو لمذهبه أو لطائفته أو لعقيدته…
أمّا التطرّف الدينيّ أو المذهبيّ أو الطائفيّ فينأى بالناس عن السكنى إلى الله. فالتطرّف يأسر الله في فئة دون أخرى، ويزيّن لمعتنقيه أنّ الناس ليسوا سواسيّة أمام الله، ويجعل الإنسان يعتقد أنّ الله ليس إله المحبّة ولا إله الرحمة، بل إله الكراهية والبغض والانتقام. وقد يكون المتطرّفون، بسبب سلوكهم، هم الدافع الأساسيّ لعدم إيمان بعضهم وجحودهم. لذلك يبدو صحيحًا القول بأنّ التطرّف، وبلا ريب، وجهٌ من وجوه عدم الإيمان.
هنيئًا لك إذا أصابتك سهام الجهلة المغرورين والمغرَّر بهم، فإنّك لعلى صواب.