ترَأس الراعي قدّاساً في بازيليك سيدة لبنان في حريصا، احتفالاً بتجديد تكريس لبنان لقلب مريم الطاهر، ولمناسبة اليوبيل المئوي لظهورات العذراء في فاطيما.
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى عظةً أشار فيها إلى «أننا نجدّد تكريسَ لبنان لقلبها البريء من الدنَس، وهو مهدّد في كيانه وشعبه وأرضه بأزمات سياسية واقتصادية ومعيشية وأمنية؛ ويتآكله مليونا لاجئ ونازح يشكّلون نِصف سكانه، وهم على تزايُد بآلاف الولادات الجديدة، ويسابقون المواطن اللبناني على لقمة عيشه وعمله، ويُستباح فيه القتلُ والنهب والاعتداءات من كلّ نوع، فيما المسؤولون السياسيون منشغلون بحسابات مصالحهم الخاصة على قاعدة زيادة الربح وتصغير الخسارة».
وأكّد الراعي أنّ «ما يؤلم أكثر هو همُّهم الوحيد المحصور بقانون جديد للانتخابات وتعليق كلّ بقيّة الأمور الملِحّة الحياتية التي تؤلم المواطنين إلى أجلٍ غير مسمّى. فمع تقديرنا لكلّ الجهود المخلِصة وتمنّياتنا بالنجاح، نأمل ألّا يصلَ بهم الأمر، عن سابق تصميم أو بنتيجة حتمية، إلى أحد الشرّين: التمديد المفتوح، أو الفراغ في المجلس النيابي. وكلاهما مرفوضان ومدانان أشدَّ الإدانة. وفي كلّ حال، لقد اختبرنا كيف أنّ يد سيّدة لبنان الخفية حمَت هذا الوطن في كلّ مرّة بَلغ إلى شفير الهاوية، وهذا بسبب صلاة شعبِه واستحقاقات أوجاعه وآلامه».
وأضاف: «أتينا إليها اليوم، ككلّ سنة، لنخشع بين يديها، وهي سيّدة لبنان وسلطانة السلام، التي كرّست للهِ كلَّ ذاتها، نفساً وجسداً، عقلاً وقلباً وإرادة، لنُجدّد تكريسَ ذواتنا، وتكريس لبنان وبلدان الشرق الأوسط لقلبها البريء من الدنس. فهي مكرّمة في الكنائس والمزارات والمؤسسات التي على اسمِها، في كلّ من سوريا والعراق والأرض المقدّسة ومصر وسواها من البلدان الخاضعة للدمار والقتل والتهجير، التي تُدمي قلبَها. وقد أوصى بهذا التكريس آباء جمعية سينودس الأساقفة الروماني الخاص بالشرق الأوسط، التي التأمت في شهر تشرين الأول 2012 برئاسة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر. لكنّه تكريس طلبَته في الأساس السيّدة العذراء، وسلّمته إلى الفتيان الرعيان الثلاثة في فاطيما بالبرتغال، أثناء ظهوراتها لهم عام 1917».
وأشار إلى أنّ «الكنيسة تحتفل بالمئوية الأولى لهذه الظهورات. وقد زار قداسة البابا فرنسيس سيّدة فاطيما في 13 أيار الماضي واحتفل بإعلان قداسة Francisco وJacinta، وصلّى مع مئات الألوف من المؤمنين من أجل السلام وإيقاف الحروب التي تُدمّر العالم الذي فيه نعيش».
وقال: «عندما طلبَت السيدة العذراء هذا التكريس كانت الحرب الكونية الأولى تُخلّف الويلات والضحايا. وكانت روسيا الشيوعية الملحِدة تضطهد الكنيسة وتعتقل أساقفتَها وكهنتها ورهبانها وراهباتها وتستولي على أملاكها، وكان الشرّ يتزايد وينمو. فظهرَت للفتيان الرعيان الثلاثة وأرَتهم لبرهةٍ مرعبة جهنّمَ كبحر كبيرمن النار يغوص فيه الشياطين والخطأة والأشرار. وظهر ملاكٌ مع العذراء يشير بيدِه اليمنى إلى الأرض وينادي بصوت عظيم: «توبوا! توبوا! توبوا!». وسلّمتهم ثلاثة أسرار. وطلبَت في الأول والثاني التكريسَ لقلبها البريء من الدنس، والمناولة التعويضية في كلّ أوّل سبت من الشهر. وأكّدت لهم أنّ في النهاية سينتصر قلبها البريء من الدنس، ويوهب العالم السلام».
وأوضح أنّ «أمَّنا مريم العذراء أرادت هذا التكريس بسبب قلقِها الشديد، كأمّ لجميع الناس والشعوب، على مصيرهم الزمني والأبدي بسبب الحروب والابتعاد عن الله والتعدّي على شريعته ووصاياه من دون أيّ وخزِ ضمير أو اعتبار».
وشدّد الراعي على «أنّنا نُجدّد تكريسَ بلدان الشرق الأوسط التي تنهشها الحروب المفروضة عنوةً والآخذة بتدميرها وقتلِ أبريائها وتشريد مواطنيها، لا لغاية سوى لمطامع الدول الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية. نُجدّد تكريس سوريا والعراق وبلدان الخليج والأرض المقدسة ومصر وبلدان أفريقيا الشمالية. وكلّها بلدان عزيزة على قلبنا، وفيها رسّخت المسيحية حضارة الإنجيل وثقافة قيمة الإنسان والحياة البشرية والعيش معاً والانفتاح على الآخر المختلف، وقيمة الحرّية التي هي عطيّة ثمينة من الله».
ورأى «أنّ التكريس فعلُ إيمان وصلاة إلى أمّ الإله وأمّ الإنسان، مريم الكلّية القداسة. فالصلاة أقوى من الرصاص وقذائف المدافع، والإيمان أقوى من كلّ مخططات الشر. وإنّنا، إذ نُجدّد التكريس لقلب مريم البريء من الدنس، فنحن نريد أن نتّحد بالمسيح الذي كرّسَ نفسَه لأبيه من أجل فداء العالم؛ ونتّحد بمريم، عذراء الناصرة، التي كرّست كلَّ ذاتها لابنها ولتصميمه الخلاصي كشريكة سخيّة بإيمانها ورجائها ومحبتِها. وبدورنا نكرّس ذواتنا لنكون مِثلها سُكنى الثالوث القدوس، فننفتح لمحبّة الآب، ونتقدّس بنعمة الابن، ونجعل من ذواتنا هيكلاً للروح القدس، هيكلاً للحقيقة والمحبة».
وتخَلّل الذبيحة الإلهية تخريج الدفعة الرابعة من دورة التنشئة الروحية والإنسانية لمسؤولي الحركات الرسولية ولجان شبيبة الأبرشيات.«وطننا مهدّد في كيانه وشعبه وأرضه بأزمات سياسية واقتصادية ومعيشية وأمنية».
الجمهورية