ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس أحد شفاء الأبرص في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه النائب البطريركي العام المطران بولس صياح ولفيف من الكهنة، في حضور حشد من المؤمنين.
العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “ان شئت فأنت قادر ان تطهرني”:(مر1: 40)، قال فيها: “في هذا الأحد الثاني من الصوم، بدأ يسوع عملية التغيير في الإنسان، بشفاء أبرص، من بعد أن أعلن، من خلال تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة في عرس قانا، أنه جاء “ليجعل كل شيء جديدا” (رؤيا21: 5). هذا الأبرص الذي شوه جسده المرض بقروحه، شفاه يسوع بحنانه ولمس يده. وهو يمثل كل واحد وواحدة منا شوهته، في داخله، حالة الخطيئة والتزام الشر. زمن الصوم الكبير ويوبيل سنة الرحمة هما “الزمن المقبول” للمثول أمام المسيح بإيمان ذاك الأبرص، والتماس الشفاء بواسطة خدمة الكنيسة المؤتمنة على كلمة الإنجيل الهادية، ونعمة سر التوبة الشافية. ونلتمس: “يا رب، إن شئت، فأنت قادر أن تطهرني” (مر1: 40).
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، ونرحب بكم جميعا، راجين أن ننال، من فيض رحمة الله بالمسيح، نعمة الشفاء الجسدي والروحي والمعنوي. فرحمة الله وحنانه يفوقان كل تشويهات البشر. عندما التمس الأبرص شفاءه، “تحنن يسوع عليه ومد يده ولمسه” (الآية 41). لقد تخطى يسوع بمبادرته هذه أحكام الشريعة التي كانت توجب على الأبرص الخروج من بين الجماعة والعيش بعيدا عن الناس، لأن مرضه معد (راجع أحبار 13: 45-46). في المزمور الخمسين نصلي: “إرحمني يا الله كعظيم رحمتك، وبكثرة رأفتك امح مآثمي”. يسوع المنزه عن كل خطيئة، والقدوس، لا تدنسه خطايا البشر، بل تتقدس به. في الواقع، عندما لمست يده الأبرص، “زال برصه حالا، وطهر” (الآية 42).
وتابع: “اننا نقدم هذه الذبيحة المقدسة ذبيحة شكر لله، الذي دبر بعنايته اللقاء التاريخي الاخوي، وقد جرى امس الاول بين قداسة البابا فرنسيس وغبطة البطريرك كيريل، بطريرك موسكو وكل روسيا. ونشكره على الاعلان المشترك الذي وقعاه. ونصلي من اجل ان يلتزم بتطبيقه جميع المعنيين في الكنيسة والعائلة، في المجتمع والدولة، كما الاسرة الدولية والحكام الاقليميون والمحليون. واننا نقدر جدا ما خصا به بلدان الشرق الاوسط ومسيحييها من اهتمام لاحلال السلام، وانهاء الحروب والنزاعات بالحوار والتفاوض، ولعودة النازحين واللاجئين والمخطوفين الى ديارهم واوطانهم”.
وقال: “ليست الخطيئة محصورة بالشأن الروحي، أي بمخالفة وصايا الله وتعليم الإنجيل والكنيسة، والتي يسقط فيها كل واحد وواحدة منا. ولا مجال لشفائه إلا بالتوبة والمصالحة مع الله والذات والكنيسة، التي ننالها في سر الاعتراف والتوبة، حيث تمسنا يد كلمة المسيح ونعمته الموكولتين إلى خدمة الكنيسة، يوم سلم كهنة العهد الجديد هذا السلطان: “خذوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه غفرت، ومن أمسكتموها عليهم، أمسكت” (يو 20: 22-23).
وتابع: “لكن الخطيئة هي أيضا مخالفة للواجب والنقص في إتمامه، أكان الواجب عائليا بما يستوجب من احترام وحب وتعاون بين الزوج والزوجة، والوالدين وأولادهم؛ أم كان كنسيا ويلزم البطريرك والأسقف والكاهن والمكرس والمكرسة بالقيام بالواجب الروحي والراعوي الذي سلم إليهم بنعمة خاصة؛ أم كان واجبا في المجتمع والدولة: في الإدارة العامة والمجلس النيابي والحكومة والقضاء والأمن”.
أضاف: “إننا نحيي كل الملتزمين بواجبات حالتهم. لكننا مهما التزمنا نبقى دائما دون المطلوب. وقد أوصانا الرب يسوع في الإنجيل التزام هذه الروحية: “إذا فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا: نحن خدام لا نفع منا، وما فعلنا إلا ما كان يجب علينا فعله”(لو17: 10).
وقال: “أود أن أذكر الذين يعملون في الحقل السياسي ونواب الأمة، أنهم يرتكبون خطيئة جسيمة عندما يهملون واجب العمل من أجل توفير الخير العام، الذي منه خير الجميع وخير كل مواطن، والذي يحققونه بنشاطات التشريع والإجراء والإدارة. وهو خطيئة جسيمة بسبب ما ينتج عن هذا الإهمال من ضرر بالمواطنين وبالبلاد معيشيا واقتصاديا وإنمائيا؛ وترتكبها الكتل السياسية والنيابية بإهمال واجب انتخاب رئيس للجمهورية بأي طريقة كان هذا الإهمال، مباشرة أو غير مباشرة، بتعطيل الجلسات الانتخابية، أو بالتصلب في المواقف، أو برفض أي تفاهم، أو بالتقاعس عن إيجاد حل. فهم بذلك يفككون أوصال الدولة، ويتسببون بتزايد الفساد، وانتشار الفوضى في مؤسسات الدولة، وإفقار المواطنين وحرمانهم من حقوقهم الأساسية وتهجيرهم إلى خارج وطنهم. أجل انها خطيئة جسيمة قدام الله والناس”.
أضاف: “إن الكنيسة، عبر الأصوام والصلوات وأعمال المحبة والرحمة بواسطة مؤسساتها وأبنائها وبناتها، تصلي من أجل عودة الجميع إلى التوبة والتجدد بكلمة الإنجيل ونعمة الأسرار المقدسة”.
وتابع: ” في ذكرى اغتيال رئيس الحكومة المغفور له رفيق الحريري الحادية عشرة، نجدد مشاعر التعزية لزوجته واولاده، وبخاصة نجله دولة الرئيس الشيخ سعد، ولاصدقائه ومحبيه الكثر. ونذكر معه بالصلاة كل الشهداء ولاسيما من بينهم رؤساء جمهورية ورجال دولة ودين، سائلين الله ان يقبل دماءهم المراقة على مذبح الوطن، ويجعلها صوت ضمير يدعو جميع الافرقاء السياسيين الى شد أواصر الوحدة الوطنية في كنف دولة قادرة بمؤسساتها الدستورية وموحدة في رؤيتها الداخلية والاقليمية والدولية”.
وقال: “عندما شفى يسوع الأبرص، طلب إليه إظهار شفائه للكاهن (الآية 14). فبحسب شريعة موسى كان على كاهن العهد القديم إعلان حالة البرص وإصدار الأمر بفصل المصاب عن حياة الجماعة. وفي حال شفائه أوجبت الشريعة أن يؤتى به إلى الكاهن، خارج إقامة الجماعة، لكي يتحقق من شفائه، يأمر بعودته إلى الحياة وسط الجماعة (أحبار 13: 45-46).
احترم يسوع هذه الشريعة، ورفعها إلى كمالها في سر التوبة، شريعة العهد الجديد. يحضر الخاطىء أمام الكاهن، ممثل رحمة الله، ويعترف بخطاياه. والكاهن يتفحص توبته ويحله من خطاياه بسلطانه الإلهي. وهكذا يتصالح التائب مع الله ومع الجماعة ومع الكنيسة، وقد أساء إليهما بخطيئته وأفعاله السيئة”.
وتابع: “أما الأبرص الذي شفي فكان عليه بحسب الشريعة أن “يقدم لله قربان الشكر عن طهره” (الآية 44). إن قربان الشكر بامتياز، الذي نقدمه نحن لله عن شفاء نفوسنا بنعمة الغفران، هو ذبيحة يسوع التي تقدمها الجماعة المؤمنة المتصالحة في يوم الأحد. ونضم إليها قرابين أصوامنا وأفعال المحبة والرحمة، وقبول الآلام والأوجاع والامراض مضمومة إلى آلام المسيح الخلاصية”.
وختم الراعي: “كما أن الأبرص “خرج وأذاع خبر رحمة يسوع له” (الآية 45)، علينا نحن أيضا أن نقر برحمة الله الغنية بعطاياها، ونشهد لها بأفعالنا ومبادراتنا ومواقفنا، بحيث يجعلها كل واحد وواحدة منا ثقافته الخاصة ورسالته، ثقافة الرحمة والغفران.
ولنرفع في هذا الصيام المبارك ويوبيل سنة الرحمة نشيد المجد والتسبيح لله “الغني بالرحمة”، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
هذا، وإتصل رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن بالبطريرك الراعي مودعا قبيل مغادرته إلى الخارج للقاء بعض المسؤلين في باريس والفاتيكان. وكانت مناسبة للبحث في الأوضاع الداخلية وعقدة الإستحقاق الرئاسي.
وطنية