ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي صلاة الجنازة لراحة نفس القاصد الرسولي لدى الفاتيكان، رئيس أساقفة بيبلوس شرفا المطران ادمون يوسف فرحات، والتي أقيمت في كنيسة مار روحانا الرعوية في عين كفاع – قضاء جبيل، عاونه فيها المطرانان بولس مطر وميشال عون، في حضور السفير البابوي المونسنيور غبريالي كاتشا، والمونسنيور جان فرح ممثلا بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث، عضو المجلس السياسي في “التيار الوطني الحر” الدكتور ناجي الحايك ممثلا رئيس التيار وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، سفير لبنان لدى الفاتيكان جورج خوري، رئيس “حزب السلام اللبناني” روجيه اده، الامين العام السابق لحزب الكتلة الوطنية جان الحواط، الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الاباتي نعمة الله الهاشم، ولفيف من المطارنة والكهنة وفاعليات سياسية وقضائية واجتماعية وعسكرية ونقابية وأهالي الراحل.
الراعي
بعد الانجيل القى الراعي عظة تحدث فيها عن مزايا الراحل، وقال: “كما علمني الآب أتكلم، والذي أرسلني هو معي” (يو8: 28-29).المثلث الرحمة المطران إدمون فرحات السفير البابوي، الذي نودعه بكثير من الأسى وبصلاة الرجاء، فتح قلبه منذ الصغر للتعليم الإلهي ولتعليم الكنيسة. وظل كذلك في سنوات الدراسة الكهنوتية في لبنان والاختصاص في فرنسا وروما، وفي سنوات خدمته للكرسي الرسولي ولشخص قداسة البابا في دوائر حاضرة الفاتيكان أولا، ثم في السفارات البابوية. عاش مخلصا لهذا التعليم، وعلمه في جامعات روما، وكتبه في مؤلفاته ومقالاته ومحاضراته. فكان شعاره باللاتينية “In librogaudium”أي “في الكتاب الفرح”، ليقينه مع بولس الرسول أن “كل كتاب من وحي الله يفيد في التعليم والتقويم، لكي يكون رجل الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح” (2طيم 3: 16). في ضوء هذا التعليم عاش، ونعمة الله الذي أرسله كانت تعضده. فهو يغادرنا وعلى شفتيه كلمة الرب يسوع: “كما علمني الآب أتكلم، والذي أرسلني هو معي” (يو 8: 28-29)”.
اضاف: “إنه رجل الكتاب والعلم والعمل. وهبه الله نباهة وذكاء وقابلية عالية للعلم والتعلم. وُلد في بيت كريم من عين كفاع العزيزة، محبٍ للعلم، هو بيت المرحوم يوسف فرحات. فتربى فيه على الإيمان والأخلاق والمعرفة، إلى جانب ثلاثة أشقاء لمعوا كل واحد في قطاعه، وثلاث شقيقات. وشدته إليهم وإلى عائلاتهم أخلص مشاعر الأخوة. وآلمته وفاة أربعة منهم سبقوه إلى بيت الآب. وتعزى بعائلاتهم وبشقيقه العميد الدكتور ريمون، وشقيقته جوزفين.
لبى الدعوة الإلهية إلى الكهنوت، وغادر لبنان حالما أنهى دروسه الثانوية في إكليريكية غزير البطريركية، فأُرسل إلى باريس لدراسة الفلسفة واللاهوت في جامعتها الكاثوليكية. وبعد رسامته الكهنوتية سنة 1959 توجه إلى روما حيث تابع اختصاصه في الكتاب المقدس والحق القانوني في الجامعة الحبرية الأوربانيانا. وأتقن اللغات القديمة: اللاتينية والعبرية واليونانية والسريانية. وتعمق في اللغات الحية: الفرنسية والإيطالية والالمانية والإنكليزية والإسبانية، وكان يجيد نطقها وكتابتها. وأُتيح له أن يواكب من الداخل جميع دورات المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، فتعرف على كبارشخصيات الكنيسة من كرادلة وأساقفة ورؤساء عامين، وشدته إليهم روابط مودة واحترام. وكان من أهمهم الكردينال كارول Wotylla الذي أصبح سنة 1978 حبرا أعظم، وهو القديس البابا يوحنا بولس الثاني الذي كان يشمل المثلث الرحمة بمحبة وتقدير خاصين”.
وتابع: “للمطران فرحات أياد بيضاء في خدمة الكرسي الرسولي وحاضرة الفاتيكان: تولى إدارة القسم العربي في إذاعة الفاتيكان لمدة تسع سنوات. فأعطاه وطوره من كل قلبه وعلمه. وعين في الوقت عينه عضوا في مجمع عقيدة الإيمان بفضل ثقافته اللاهوتية والكتابية العالية، لمدة سنتين. ثم عينه الطوباوي البابا بولس السادس في الأمانة العامة لسينودس الأساقفة حيث عمل لمدة اثنتين وعشرين سنة، كعضو فيها أولا ثم كنائب لأمينها العام. فأرسى مع الرعيل الأول أساسات هذه المؤسسة الكنسية التي أنشأها الطوباوي البابا بولس السادس في أعقاب المجمع الفاتيكان الثاني. وفي سنة 1989 رقاه القديس البابا يوحنا بولس الثاني إلى درجة رئيس أساقفة بيبلوس شرفا، وعينه سفيرا بابويا في الجزائر وتونس وليبيا،ثمعلى التوالي حتى سنة 2009 في كلمن سلوفينيا وماكيدونيا وتركمانستان وتركيا والنمسا. فخدم الديبلوماسية الفاتيكانية بكل مهارة وإخلاص. فقدره وأحبه رؤساء الدول وأساقفتها وشعوبها”.
واردف: “بفضل حبه ومعرفته العميقة والواسعة للكرسي الرسولي وحاضرة الفاتيكان، نشر كتابا وثائقيا بالإيطالية بعنوان Gerusalemme ضمنه جميع الوثائق الرسمية الصادرة عن البابوات وأمانة سر دولة الفاتيكان بشأن القدس والأراضي المقدسة. وأصدر في السنة الماضية كتابا بالعربية بعنوان “الفاتيكان في مبانيه ومعانيه”،وهذه السنة وهو في المستشفى بروما أصدر كتابا شيقا بالإيطالية بعنوان “سيرتي مع سينودس الأساقفة: ذكريات واعتبارات”. وكان في طور إعداد كتاب رابع يتضمن كل “مداخلات البطريرك الماروني والمطارنة الموارنةفي أعمال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني”، وكان منكبا على ترجمة هذه المداخلات من لغتها الأصلية اللاتينية إلى الفرنسية. لكن شدة مرضه ووفاته حالا دون إكمال هذا الحلم الذي راوده لسنين. وله العديد من المقالات في مختلف المجلات، وبخاصة في جريدة الفاتيكان الأوسرفاتوري رومانو، الأسبوعية باللغة الفرنسية، وهي تتناول بنوع خاص لبنان والكنيسة المارونية والشرق الأوسط والأحداث الكنسية”.
وقال: “عاش حياته كلها خارج لبنان، لكن قلبه ظل متعلقا به وبخاصة ببلدته عين كفاع العزيزة على قلبه، التي كان يأتيها في كل سنة ولاسيما بمناسبة عيد شفيعها مار روحانا، ليعيش فيها وبين أهلها ويستعيد الروح والدفع. وكم كان يشتهي أن يغمض عينيه فيها لكن بلوغ المرض ذروته في هذين الشهرين الأخيرين جعل رغبته غير ممكنة، غير أنها تحققت جزئيا إذ نُقل جثمانه الطاهر إلى لبنان، وتقام الجنازة في كنيسة مار روحانا، ويدفن بقرب المرحومين والديه.
حمل قضية لبنان إلى حاضرة الفاتيكان والمحافل الدولية. وتعلق به شديدا. في خطاب تخريج طلاب الجامعة الأنطونية في تموز 2007 قال: “أينما كنتم، أيها الخريجون والخريجات، حافظوا على صدقكم وإخلاصكم لوطننا لبنان. لا تقطعوا الرباط معه. فمهما صعب الأمر عليه، وضاقت الظروف امامه، هو هو أولنا وآخرنا، فخرنا وألمنا. منه ننطلق وإليه نعود، وهو ثابت لن يزول”.
اضاف:”أحب كنيسته المارونية، وغار عليها وعلى تراثها، ودورها المسكوني والوطني. وكم كان يبدو ذلك جليا في مداخلاته أثناء انعقاد دورات السينودس المقدس السنوية في الصرح البطريركي.
بعد تقاعده لبلوغ السن القانونية سنة 2009، عاش في رحاب حاضرة الفاتيكان يصلي ويواصل البحث والتنقيب والكتابة. وأتاه المرض المميت فقاومه بالصلاة والإرادة الصلبة ولقي بقربه ابن شقيقه الصيدلي يوسف وزوجته باميلا وأولادهما وكل الإكليروس الماروني في روما والأصدقاء. وكنا نشهد ذلك في كل مرة نزور روما، ونعوده في منزله أوفي المستشفى. وساندته عاطفة شقيقه العميد الدكتور ريمون وأسرته وكل العائلة وأهالي عين كفاع”.
وتابع: “ها هم اليوم مع أبناء المنطقة وبلاد جبيل التي أحبها وفاخر بها، تودعونه بالأسى والصلاة، فيما تتأهبون للاحتفال بذكرى ميلاد ابن الله على أرضنا، وأنتم على يقين من أن عيد ميلاد الفادي الإلهي يتزامن مع عيد ميلاد المطران ادمون في السماء، على ما ردد آباء الكنيسة القديسون: “تأنس الله ليؤله الإنسان”. وعلى هذا الامل، إني وإخواني السادة المطارنة، أعضاء سينودس كنيستنا المقدس، في لبنان والنطاق البطريركي وبلدان الانتشار، نعرب عن تعازينا الحارة لشقيقه العميد الدكتور ريمون وعائلته وشقيقته جوزفين، ولعائلات المرحومين شقيقيه الياس وحارس، وشقيقتيه زهية وماتيلدا وسائر ذويهم وأنسبائهم، ولجميع عائلات عين كفاع العزيزة”.
وختم: “نسأل لنفسه الراحة في الملكوت السماوي بين رعاة الكنيسة وآبائها القديسين، وأن يعوض على كنيستنا برعاة صالحين مثل قلب المسيح الكاهن الأزلي “وراعي الرعاة العظيم”(1بطرس 5: 4)، وأن يسكب على قلوبكم بلسم العزاء بنعمة الثالوث الاقدس الآب والابن والروح القدس”.
كاتشا
وفي نهاية الصلاة ألقى السفير كاتشيا كلمة نقل فيها تعازي قداسة البابا سائلا الله الرحمة الابدية للفقيد.
وطنية