ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس رأس السنة و”يوم السلام العالمي” في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطارنة: حنا علوان، حنا رحمة، عاد أبي كرم وشكرلله نبيل الحاج ولفيف من المطارنة والكهنة، بمشاركة السفير البابوي المونسينيور غابريال كاتشيا ممثلا قداسة البابا فرنسيس.
حضر القداس ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول، ممثل رئيس مجلس النيابي نبيه بري النائب سيمون أبي رميا، النائبان ميشال موسى وغسان مخيبر، الوزير السابق مروان شربل، المحافظ السابق نقولا أبو ضاهر، القنصل ايلي نصار، المدير العام لمستشفى البوار الحكومي الدكتور شربل عازار، العقيد ميشال كرم، أعضاء اللجنة الاسقفية “عدالة وسلام”، عائلة المرحومة كريمة زعرور ضومط وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “سمي يسوع”(لو2:21)، قال فيها: “تحتفل الكنيسة بعيد اسم يسوع، المخلص الذي افتدى البشرية جمعاء، وقدم الخلاص لكل إنسان، زارعا سلامه في القلوب، لكي ينتشر ويصبح ثقافة سلام. فالمسيح “أمير السلام” (أش 9: 5) انتصر على العنف والشر بالمحبة والرحمة، فأضحى سلامنا (أفسس 2: 14). في ضوء هذا العيد أنشأ الطوباوي البابا بولس السادس في الأول من كانون الثاني 1967 “يوم السلام العالمي”. ومذ ذاك الحين، والبابوات يوجهون رسالة خاصة بيوم السلام. إن رسالة قداسة البابا فرنسيس لهذا اليوم تحمل عنوان: “اللاعنف أسلوب سياسةٍ من أجل السلام”. وكون هذا الأحد يلي عيد الميلاد، فالكنيسة تحتفل أيضا بعيد العائلة المقدسة، حيث كان يسوع “ينمو بالقامة والحكمة والنعمة أمام الله والناس” (لو2: 52)، وهي أيقونة كل عائلة بشرية. وفيها يزرع السلام، لكي يشمل العائلة الأكبرالاجتماعية والوطنية والدولية”.
أضاف: “إنني أحيي معكم اللجنة الأسقفية “عدالة وسلام”، بشخص رئيسها سيادة أخينا المطران شكرالله نبيل الحاج، ونائب الرئيس، وأعضائها، الذين دعوا إلى هذا الاحتفال ونظموه. وفي ختامه سيكرمون شخصيات وجمعيات تعزز ثقافة اللاعنف”.
وتابع: “يطيب لي في المناسبة أن أقدم أخلص التهاني والتمنيات بالسنة الجديدة 2017، لفخامة رئيس الجمهورية، الممثل بوزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول، وممثل رئيس مجلس النواب النائب سيمون أبي رميا، إننا من خلالهم نحيي الدولة اللبنانية التي تستعيد مؤسساتها الدستورية، وتنطلق نحو بناء دولة القانون القادرة والمنتجة، دولة الإنماء الإقتصادي والاستقرار المالي، دولةٍ يثق بها المواطنون، في الداخل والخارج، بمقدار ما تكون دولة خدمة الخير العام الذي منه خير الجميع وخير كل مواطن. وإننا نقدم هذه التهاني والتمنيات لقداسةالبابا فرنسيس الممثل بسيادة السفير البابوي؛ ونقدمها لكم جميعا، ولكل اللبنانيين المقيمين والمنتشرين، ولأبناء وبنات كنائسنا الشرقية المتواجدين في لبنان والنطاق البطريركي وبلدان الانتشار، ولكل ذوي الإرادة الحسنة الذين يؤمنون بأن اللاعنف يشكل “المكافحة السلمية التي تستعمل سلاحي الحقيقة والعدالة”، وتأتي بنتائج مذهلة، كما يشير قداسة البابا فرنسيس في رسالته، فيذكر على سبيل المثال: المهاتما غندي وخان عبد الغفار خان اللذين نجحا في تحرير الهند، ومارتين لوتر كينغ الذي حارب التمييز العنصري في أميركا، وآلاف النساء اللواتي نلن بالصلاة والاعتراض اللاعنفي عقد مفاوضات على مستوى رفيع لإنهاء الحرب الأهلية الكبيرة في ليبيريا، أمثال LeymahGhowee. كما يذكر بسقوط النظام الشيوعي في اوروبا، بقوة صلوات الجماعات المسيحية وخدمة وتعليم القديس البابا يوحنا بولس الثاني، في السنوات العشر التاريخية (الفقرة 4)”.
أضاف: “نحيي بيننا أولاد المرحومة كريمة زعرور ضومط وعائلاتهم، وقد ودعناها معهم منذ ثلاثة اسابيع. فنصلي لراحة نفسها وعزاء أسرتها”.
وقال: “لا يتلاءم السلام مع العنف، ولا يمكن الوصول إلى السلام بممارسة العنف. فالعنف يولد العنف. لذلك اختار البابا فرنسيس موضوعا لرسالته: “اللاعنف أسلوب سياسة من أجل السلام”. ودعا “ليصبح اللاعنف نهجا مميزا لقراراتنا وفي علاقاتنا العائلية والاجتماعية وأفعالنا، وفي السياسة بكل أشكالها، على المستوى اليومي والمحلي والعالمي. فإن ضحايا العنف، إذا عرفوا كيف يقاومون تجربة الثأر، بإمكانهم أن يكونوا روادا ذوي صدقية لنهج اللاعنف من أجل بناء السلام (الفقرة الأولى)”.
أضاف: “عندما تتكلم رسالة البابا فرنسيس عن اللاعنف “كنهج لسياسة من أجل السلام”، إنما تؤكد ما كتبه القديس البابا يوحنا الثالث والعشرون في رسالته العامة “سلام على الأرض”، وهو أن الطريق المؤدي إلى السلام إنما هو “الحقيقة والعدالة والحرية والمحبة”؛ كما تؤكد ما توجه به الطوباوي البابا بولس السادس إلى الشعوب محذرا من “خطر الاعتقاد أن النزاعات الدولية لا تستطيع إيجاد حلول لها عن طريق العقل، اي بالمفاوضات المبنية على الحق والعدالة والإنصاف، بل فقط بواسطة القوى التي تزرع الرعب والقتل”. ويؤكد “أن السلام هو الخط الوحيد والحقيقي لبلوغ الترقي البشري، لا التوترات القومية ذات الطموح المفرط، ولا الفتوحات العنيفة، ولا القمع الخلاق لنظام مدني كاذب” (راجع الفقرة الأولى)”.
وتابع: “مارس الرب يسوع اللاعنف ودعا إليه كطريق إلى السلام، عندما علم تلاميذه أن يحبوا أعداءهم (متى5: 44)، وأن يحولوا الخد الآخر (متى 5: 39)، وعندما منع الذين كانوا يشتكون المرأة الزانية عن رجمها (يو8: 1-11)، وعندما طلب من بطرس أن يرد السيف إلى غمده ليلة الاعتداء عليه وتسليمه إلى الآلام والموت (متى26: 52)، وعندما غفر لصالبيه (لو23: 34). وهكذا رسم لنا طريق اللاعنف الذي سلكه حتى الصليب. وبه اكتملت البشرى السارة التي تدعونا لقبولها، فنصبح فاعلي سلام، وصانعي مصالحة، وفقا لما يحثنا عليه القديس فرنسيس الأسيزي: “السلام الذي تعلنونه بأفواهكم، إحفظوه أيضا في قلوبكم”. إن إنجيل محبة الأعداء، يسميه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر “الشرعة الكبرى للاعنف المسيحي” (الفقرة 3)”.
أضاف: “اللاعنف لا يعني الإستسلام للشر، بل هو الإجابة على الشر بالخير (راجع روم12: 17-21)، التي نكسر بها سلسلة الظلم، فنعطي اللاعنف صفة الإيجابية الفاعلة. فاللاعنف الفاعل، بحسب القديسة الأم تريزا دي كلكوتا، “لا يحتاج إلى قنابل وأسلحة، ولا إلى الهدم لنحصل على السلام، بل يحتاج أن نكون معا، أن نحب بعضنا بعضا، وبذلك نستطيع الإنتصار على كل الشر الموجود في العالم”. فقوة السلاح تغش.
قال البابا فرنسيس عن الأم تريزا في عظة الإحتفال برفعها قديسة على مذابح الكنيسة، أن اللاعنف الفاعل الذي مارسته ظهر في عنايتها بالحياة البشرية، من الحياة في احشاء الأم، إلى الحياة المهملة والمرفوضة. لقد انحنت على الأشخاص المرميين على الطرقات حيث يواجهون الموت، إذ رأت فيهم الكرامة التي منحهم إياها الله، وأسمعت صوتها إلى مقتدري الأرض لكي يعترفوا بأخطائهم تجاه الجرائم، ولاسيما جرائم الفقر الذي تسببوا به هم أنفسهم. وراحت مع الآلاف والملايين إلى لقاء الضحايا بسخاء والتزام، ملامسة ومضمدة كل جسم مجروح، وشافية كل حياة مكسورة (الفقرة 4)”.
وتابع: “في هذا الأحد الذي نحيي فيه عيد العائلة المقدسة، يذكرنا قداسة البابا فرنسيس أن السلام يجد أصوله في العائلة، لأن من داخلها ينتشر الحب والفرح في العالم، ويشع في كل المجتمع (راجع الفقرتين 3 و5). ويدعونا في رسالته لإدخال رحمة الله في قلوبنا ولزرع السلام في داخل العائلة. ينبغي أن تبدأ سياسات اللاعنف في داخل جدران البيت، لكي تنتشر بعدها في كل العائلة البشرية. أما النهج فتقدمه لنا القديسة تريز الطفل يسوع، وهو سلوك الطريق الصغير: طريق الحب، والكلمة اللطيفة، والبسمة، وأي فعل أو مبادرة صغيرة تزرع السلام والصداقة. بهذه الإيكولوجيا الشاملة نكسر منطق العنف والإستغلال والأنانية (الفقرة 5)”.
وختم الراعي: “يختم البابا فرنسيس رسالته ليوم السلام العالمي 2017، بالدعوة إلى بناء السلام بواسطة اللاعنف الفاعل، بالإنسجام مع جهود الكنيسة من أجل الحد من إستعمال القوة، من خلال إعلان المبادىء الأخلاقية، ومشاركتها في أعمال المؤسسات الدولية، وبفضل مساهمة العديد من المسيحيين في التشريعات على مختلف الأصعدة. ويذكر البابا أن الرب يسوع يقدم في إنجيل التطويبات، برنامجا وتحديا للمسؤولين في المؤسسات الدولية، وللمقاولين والإعلاميين.
وينهي بالدعاء إلى السيدة العذراء، ملكة السلام، أن تكون هاديتنا في طريق اللاعنف، لكي بالصلاة والعمل، ننتزع العنف من قلوبنا وكلامنا وأفعالنا، ونبني جماعات لاعنف، تعتني ببيتنا المشترك. وهكذا نستطيع كلنا أن نكون صانعي سلام (الفقرتان 6و7).
إننا من قلوبٍ ملؤها السلام نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدس، الآب والإبن والروح القدس، مصدر كل سلام، الآن وإلى الأبد، آمين”.
استقبالات
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الالهية للتهنئة بالأعياد المجيدة.
وطنية