ترأس البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الصلاة الجنائزية للمثلث الرحمة المطران اسطفان هكتور الدويهي، في كاتدرائية مار يوحنا المعمدان في زغرتا، في حضور حشد من المطارنة والكهنة.
كما حضر الجناز وزير الثقافة ريمون عريجي ممثلا الرئيس تمام سلام، الوزيرة السابقة نايلة معوض، الوزير السابق يوسف سعادة، النائب اميل رحمة، ممثل النائب اسطفان الدويهي نجله انطوان، النائب السابق قيصر معوض، رئيس اتحاد بلديات قضاء زغرتا زعني خير، رئيس بلدية زغرتا- اهدن شهوان الغزال معوض، طوني سليمان فرنجية، أسعد كرم، رئيسة مؤسسة يوسف بك كرم ريتا سليم كرم، عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار يوسف الدويهي، منسق “القوات اللبنانية” في زغرتا سركيس بهاء الدويهي، رئيس “حركة الأرض” طلال الدويهي، المحامي توفيق معوض، المهندس زياد المكاري وعائلة الراحل ورهبان وراهبات وممثلون عن هيئات وفاعليات تربوية وثقافية واجتماعية واقتصادية وحشد كبير من أبناء زغرتا الزاوية.
وبعد الانجيل، ألقى الراعي عظة جاء فيها: “بالأسى الشديد وبرجاء الميلاد نودع المثلث الرحمة المطران أسطفان- هيكتور الدويهي، الذي أسلم الروح صباح السابع عشر من هذا الشهر في بروكلين- نيويورك عن سبع وثمانين سنة، قضاها في إيمان مخلص بالمسيح والكنيسة. وقد دعاه، الراعي الصالح، يسوع المسيح، وأشركه في رعاية شعبه كاهنا وأسقفا ومعلما وكاتبا. فكان في مختلف محطات حياته الكهنوتية والأسقفية هذا “الراعي الصالح الذي يسير قدام خرافه ويخرجها إلى المراعي الخصبة” (يو10: 2و4).
وقال: “إنه إبن إهدن- زغرتا، هذه المدينة المارونية الشمالية الغنية بتراثها الكنسي والوطني والثقافي. مدينة البطاركة والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات. أعطت رئيسي جمهورية ووزراء ونوابا ورجال دولة وسياسة وفكر وثقافة وعلم. ينتمي المطران اسطفان- هيكتور إلى أسرة الدويهي التي أعطت البطريرك الكبير المكرم اسطفان، الذي نواكب دعوى تقديسه بالصلاة لكي يظهر الله قداسته، وترفعه الكنيسة على مذابحها. ولد هيكتور في بيت يوسف وحسيبه زخيا الدويهي، إلى جانب ثلاثة أشقاء وشقيقة سبقته مع كبيرهم المرحوم الأستاذ بدوي إلى بيت الآب. وفي هذا البيت المؤمن سمع صوت المسيح يدعوه للحياة الكهنوتية. فلبى النداء بفرح وأمانة والتزام. وقد لازمته هذه الثلاثة طيلة حياته. وبعد العلوم التأسيسية في مدرسة مار يوسف- زغرتا، تلقى تنشئته الكهنوتية على التوالي في إكليريكية مار مارون غزير، وجامعة القديس يوسف في بيروت، وجامعتي نشر الإيمان والغريغورية في روما، متوجا إياها بشهادة دكتوراه في علم اللاهوت والليتورجيا. سيم كاهنا بوضع يد المثلث الرحمة البطريرك بولس بطرس المعوشي في 14 آب 1955، في بداية ارتقائه السدة البطريركية، وقد محضه ثقته الكاملة”.
أضاف: “انطلق الخوري هيكتور راعيا غيورا في الخدمة الكهنوتية في رعية زغرتا على مدى عشر سنوات من سنة 1959 حتى 1969، أخصبها بعطاءاته متفانيا ومتعاونا مع كهنتها، وعلى رأسهم الخوري إميل سعادة الذي أصبح فيما بعد المطران بولس إميل نائبا بطريركا عاما على نيابة البترون في الأبرشية البطريركية وفي رعية إهدن- زغرتا، ثم مطرانا أصيلا لأبرشية البترون، بعد جعلها أبرشية مستقلة. هناك عرفنا الخوري هيكتور، الطالع نجمه كنجم الميلاد، وقد أصبح قبلة الأنظار. عرفناه كاهنا غيورا كرس جهده لإعادة الإلفة والوحدة بين أبناء زغرتا بعد أن فرقتها أحداث 1958 المرة، وجمع الأسرة الكهنوتية الزغرتاوية في بيت الكهنة، والشباب الزغرتاوي في حركة ملتزمة ومنشأة في بيت الكهنة الذي جعل منه مركزا للقاءات الروحية والثقافية والإجتماعية، إلى جانب الفرقة الفولكلورية ومهرجانات إهدن الزاوية، والمستوصف الصحي الذي أصبح في ما بعد مستشفى السيدة الذي أصبح من كبريات المستشفيات في الشمال. وكانت له على صعيد الكنيسة المارونية مبادرات سباقة استلهمها، مع كهنة غيورين أمثاله، من تعليم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962-1965)، الذي سماه القديس البابا يوحنا بولس الثاني “ربيع الكنيسة”. فدعا إلى الحركة التجددية في كنيستنا بروح هذا المجمع إنطلاقا من مقالات بعنوان “كنيستنا تحت مجهر المساءلة”، وفعل في هذا الإطار نشاط الرابطة الكهنوتية وتجمع كهنة الشمال وحركة “كنيسة من أجل عالمنا”. وكان في الوقت عينه يمارس التعليم اللاهوتي في معهد مار أنطونيوس البادواني كرمسدة، وجامعة القديس يوسف بيروت، وجامعة الروح القدس الكسليك، وفي إكليريكية سيدة لبنان واشنطن. وقد أطلق فيها كلها أفكاره التجددية وتطلعاته. وتركها لنا إرثا في مؤلفاته باللغة العربية نخص منها: كنيستنا على المحك، وكنيسة البشر وكنيسة الحجر، وشربل والمجمع الفاتيكاني الثاني”.
وتابع: “بهذا الدفع الرسولي، أرسله البطريرك الكردينال مار بولس بطرس المعوشي سنة 1969 لخدمة رسالتنا في المكسيك وتحديدا في مدينة Puebla حيث قضى ثلاث سنوات، انتقل من بعدها في سنة 1972 إلى خدمة أبرشيتنا المارونية في الولايات المتحدة الأميركية، وقد دعاه إليها مطرانها آنذاك المثلث الرحمة فرنسيس الزايك. وفيها أفرغ كل طاقاته وذاته وإرثه الروحي والعلمي وثقافته واللغات السبع التي أتقنها: العربية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والإنكليزية والسريانية واللاتينية. وتقلب بين إدارة إكليريكية سيدة لبنان واشنطن، وخدمة رعايا كل من مار شربل في Poeria وسيدة لبنان واشنطن، ومار جرجس في Wilkes- Barre (Pennsilvania)، ومار جرجس في سان انطونيو (تكساس)، وكاتدرائية سيدة لبنان في بروكلين – نيويورك. وفي كل ذلك، كان راعيا صالحا، قاد النفوس الموكولة إليه إلى ينابيع الخلاص، كلمة الإنجيل وتعليم الكنيسة ونعمة الأسرار. فأحبه الجميع وقدروه. واكتسب ثقة مطران الأبرشية الذي رقاه إلى رتبة برديوط، وثقة صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس فمنحه رتبة خوراسقف. ولقي لدى الكهنة المحبة والتقدير، فأسندت إليه مهام على مستوى الأبرشية والكنيسة المارونية كمدير للمكتب الأبرشي للشؤون الليتورجية، وللمكتب الأبرشي للعلاقات بشأن سينودس جمعية الأساقفة الروماني الخاصة بلبنان، وكعضو في اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية، وعضو في المجلس الكهنوتي ومجلس المستشارين الأبرشيين”.
وقال: “أما أعز وأجل مهمة قام بها الخوراسقف هيكتور بكثير من الجهد والإهتمام فكانت ترجمة الكتب الطقسية إلى اللغة الإنكليزية بعد الإصلاح الليتورجي الأخير، ومسؤولية النظر في نصوصها الإنكليزية الخاصة بالليتورجيا الإلهية والأسرار، التي نشرتها أبرشية مار مارون بروكلين. وترك لنا مؤلفات عديدة بالإنكليزية في الليتورجيا وبخاصة حول السنة الطقسية، وسر الزواج، وأسرار النشأة المسيحية: المعمودية والميرون والقربان، وكتاب الجنازات، والتبريكات والصلوات، وكتاب القداس، وكتاب الرسامات. لقد رأى في الليتورجيا “الجامع الأصيل بين موارنة الأرض كلها” واعتبرها “الوطن الثاني للموارنة”، وقال ان “لبنان كوطن وكأرض لم يعد يجمع الموارنة المنتشرين في العالم، ولم يعد يتسع لهم. أما الليتورجيا فإنها تجمع الكل وتتسع لهم جميعا، وتغتني بخصوصياتهم”. وعندما قدم المثلث الرحمة المطران فرنسيس الزايك استقالته من إدارة أبرشية مار مارون بروكلين- نيويورك، انتخب سينودس أساقفة كنيستنا المارونية الخوراسقف هيكتور الدويهي خلفا له فعينه القديس البابا يوحنا بولس الثاني مطرانا لهذه الأبرشية في 23 تشرين الثاني 1996، واتخذ اسم اسطفان- هيكتور. فنهض بالأبرشية بكل ما توفر عنده من استعدادت وجهوزية وتطلعات. تزامنت خدمته الأسقفية مع التحضيرات المباشرة للمجمع البطريركي الماروني وانعقاده (2003-2006). فكانت له فيه مساهمات جلى، ولا سيما بالنسبة إلى عالم الانتشار، وهو خبير كبير فيه. فاعتبر لبنان “الوطن الروحي” للموارنة، أية تكن جنسيتهم، فبه وبشخص البطريرك والكرسي البطريركي يرتبطون. وقال: “نحن الموارنة ليس لنا حياة في بلاد العالم، إلا إذا ارتبطنا بلبنان الأرض، بما يمثل من إرث روحي، فهو مهد إيماننا، وأرض مقدساتنا، ومرقد قديسينا، وارتبطنا بشخص البطريرك والمؤسسة البطريركية في بكركي والديمان”.
أضاف: “كان شديد الحرص على ربط الكنيسة في الانتشار بالكنيسة في لبنان، فسمى هذه الأخيرة الكنيسة الأم، والأولى الكنيسة الابنة التي تغتذي من حليب الكنيسة الأم، وتنمو وتكبر في محيطها الحضاري الذي تعيش فيه، حسب معطياته الخاصة. فلا تكون الكنيسة المارونية في الانتشار صورة طبق الأصل عن الكنيسة المارونية في لبنان. بل تكون كنيسة مارونية بكل معنى الكلمة، تحافظ على الأصالة والأمانة، وتبقى مرتبطة بلبنان “الوطن الروحي” برباط الروح والطقس واللاهوت والروحانية والجذور، تحت ولاية البطريرك الشاملة”.
وأوضح أن “الكنيسة المارونية في الانتشار تعيش صفة “الكثلكة” في الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، على حسب النكهة الإنجيلية الخاصة ببيت مارون والكرسي البطريركي الماروني الانطاكي. وبهذه الصفة تكرز بالإنجيل لكل إنسان وشعب، في كل مكان ووطن وأرض. فهي أصلا من الشرق، ومن لبنان بنوع خاص. ولكنها ككنيسة مارونية أبعد من لبنان وتاريخه ولغته. وليست كنيسة وطنية في خدمة الموارنة المهاجرين من لبنان وسواه فقط. في ضوء هذه الرؤية، كان يدعو المطران اسطفان- هيكتور إلى حسن التعامل مع الانتشار الماروني، وكيفية فهمه بحقائقه ومواقفه وتطلعاته، من أجل إبقائه داخل الكنيسة المارونية، فتكون كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية مسكونية”.
وتابع: “لما بلغ السن القانونية قدم استقالته عن إدارة الأبرشية، وتسلم الوديعة منه في بداية سنة 2004 سيادة أخينا المطران غريغوري منصور الحاضر معنا، الذي كان يحيطه بكل عناية، ويستشيره في شؤون الأبرشية ولا سيما الطقوس، ويشركه في مختلف مناسباتها. وقد تولت خدمته المباشرة مشكورة السيدة ميشال في مكان إقامته في مبنى دائرة الأبرشية الملاصق لكاتدرائية سيدة لبنان في بروكلين. ومن بعد أن أجرى له سيادة المطران غريغوري المراسيم الروحية مع المطارنة المحليين وكهنة الأبرشية وشعبها، رافق جثمانه الطاهر إلى لبنان، حيث رغب المثلث الرحمة أن تكون رقدته الأخيرة في ظل كنيسة القديسين بطرس وبولس في إهدن العزيزة”.
وختم الراعي: “إنا نعرب عن تعازينا الحارة لسينودس كنيستنا المقدس وأبرشية مار مارون بروكلين، ونيابة إهدن- زغرتا البطريركية، واتحاد الإكليروس الإهدني، وشقيقي المثلث الرحمة وعائلتيهما، وأسرتي المرحومين شقيقه وشقيقته، وعائلات المرحومين أعمامه وعماته وخاله وخالاته، وسائر أنسبائه وأبناء إهدن- زغرتا الأحباء. صلاتنا إلى المسيح الرب، الراعي الصالح و”راعي الرعاة العظيم” (1 بطرس 5: 4)، أن يجزل ثواب المشاهدة السعيدة في السماء للمثلث الرحمة المطران اسطفان- هيكتور، الذي عرف أن يكون على مثاله راعيا صالحا وفر للنفوس الموكولة إليه ينابيع الخلاص والحياة الإلهية. ونسأل الله أن يعوض على الكنيسة “برعاة صالحين مثل قلبه” (إرميا 3: 15). للثالوث المجيد، الآب والابن والروح القدس، كل مجد وتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين”.
وبعد الجنازة نقل جثمان الراحل الى كنيسة مار بطرس وبولس في اهدن حيث دفن في تربتها بناء على وصيته.
وكانت انتشرت في شوارع زغرتا يافطات مثنية على مواقفه من الوطن والكنيسة والموارنة، مزيلة بتوقيع رعية زغرتا اهدن وبلدية زغرتا.
ويحتفل بالذبيحة الالهية لراحة نفسه الاحد في 28 الحالي في تمام الساعة الحادية عشرة قبل الظهر في كنيسة مار يوحنا المعمدان زغرتا.