دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الجماعة السياسية لتصحّح ممارستها، لافتاً الى أنّ «دماء شهدائنا تستصرخ ضمائرَهم ليكونوا على مستوى التحدّيات السياسية والاقتصادية والمالية والإجتماعية».
رأس الراعي قداساً احتفالياً بدعوة من رابطة سيدة ايليج، وذلك لمناسبة سنة الشهادة والشهداء، وفي ذكرى 630 سنة على استشهاد البطريرك جبرائيل حجولا وتكريماَ لشهداء المقاومة اللبنانية، حيث دعا إلى «المحافظة على لبنان بخصوصياته وميزاته بين بلدان المنطقة، وفقاً للميثاق الوطني والدستور، بغنى تنوّعه الديني والثقافي ضمن إطار الوحدة الوطنية، وبنظامه الديموقراطي، وبميزة المشاركة المتساوية والمتوازنة في الحكم والإدارة بين المسيحيين والمسلمين، وبأهميّة حياده وتحييده عن الصراعات والتدخّلات الإقليمية والدولية، ليكون فاعل استقرار وسلام والمدافع عن قضايا المنطقة، ومكاناً للقاء الأديان والثقافات والحضارات».
وطالب بـ»بذل الجهود في إطلاق النهوض الاقتصادي بكلِّ مكوِّناته، وإيجاد فرص عمل لشبابنا وقوانا الحيّة، ودعم خزينة الدولة، والتخفيف من عبء الدين العام، وقيام الدولة بإيفاء مستحقاتها المالية للمؤسسات الاستشفائية والتربوية والاجتماعية»، داعياً الى «توحيد القوى والسبل من أجل تحقيق عودة النازحين واللاجئين إلى أوطانهم وممتلكاتهم، استرجاعاً لحقوقهم بحكم المواطنة، والتزاماً بإعادة بناء بيوتهم، وحفاظاً على ثقافاتهم وحضاراتهم. بعودتهم يسلم لبنان من الأخطار الجسيمة التي تتهدّد أمنه واقتصاده واستقراره السياسي وثقافته، والتي تتسبّب بارتفاع عدد العاطلين عن العمل، وبفتح باب الهجرة المميت».
وأكد الراعي أنّ «لبنان يحتاج إلى بزوغ فجر جديد من القوى السياسية المسؤولة والواعية والملتزمة. هذا ما نرجوه عبر الانتخابات النيابية الفرعية والعامة، وفقاً للدستور، قبل حلول شهر أيار المقبل، آملين أن تعطي هذه الانتخابات بلادنا وجوهاً جديدة تكون على مستوى تطلّعات الشعب اللبناني، والتحدّيات الراهنة، وحاجات الدولة والوطن».
أضاف: «شهداؤنا الذين نحيي ذكراهم في هذا المكان المقدّس مع الكثيرين من أمثالهم ورفاقهم على أرض لبنان كافة، وقدّموا دماءَهم ذوداً عن لبنان في الحرب اللبنانية الأخيرة، هم أيضاً حبّات حنطة أثمرت خلاصاً لوطننا وشعبنا ولنا. فلا يسعنا إلّا إلانحناءة أمام ذكراهم جميعاً، مع الإقرار «بأنهم ماتوا لنحيا». وفي هذا فخرهم ومجدهم وعزاء أهلهم وعائلاتهم. ألم يسمِّ الربُ يسوع موته ساعة مجده، إذ قال، عندما اقترب موعدُ تسليم ذاته طوعاً لفداء العالم: «أتت الساعة ليتمجّد ابنُ الإنسان». ثمّ التمس القوة للثبات في مواجهة ذبيحة الذات هذه: «يا أبت مجد اسمك». فإذا بموت يسوع، فداءً عن الجنس البشري بأسره، تمجيد له بانتصاره على الخطيئة والموت، وتمجيد للآب بإتمام مشيئته الخلاصية الشاملة جميع الناس. هنا يكمن سرّ بطولة شهدائنا منذ فجر المسيحية حتى يومنا».
وأشار الراعي الى «أننا جميعاً نرى ثمار هؤلاء الشهداء الكنَسيين والمدنيين، المشبَّهة بثمار حبّة الحنطة. إننا نرى نموّ الكنيسة وازدهارها بأبنائها وبناتها ومؤسساتها المتنوّعة، وبانتشارها تحت كل سماء، وبحيويّتها وثقافتها وتأثيرها. ونرى تكوين لبنان الذي أُعلن دولة مستقلة في أوّل أيلول 1920 مع البطريرك الكبير خادم الله الياس الحويك، ثمّ أُنجر استقلاله سنة 1943 مع البطريرك انطون عريضه، وذلك بعد مسيرة تاريخية طويلة قادها بطاركتنا بصبر وتقشّف وشجاعة وحكمة، وكشهداء أحياء ارتضوا، من أجل حماية الأغليين: الإيمان المسيحي والاستقلالية، الإقصاء، والاضطهاد والاعتداء والتنكيل. وتهجّروا متنقلين، وعروشهم على ظهورهم، من كفرحي، إلى يانوح، إلى إيليج، إلى قنوبين، إلى لحفد، إلى هابيل، إلى كفيفان، إلى الكفر، إلى بنهران، إلى برحليون، إلى عمشيت، إلى دير سيدة مشموشه، إلى دير مار سركيس وباخوس ريفون، إلى مجدل المعوش، إلى دير مار شليطا-غوسطا، فإلى الديمان وبكركي»، معتبراً أنها «مسيرة متواصلة لن تتوقّف، تتبدّل فيها نقط فصولها وألوانها. وتبقى مسيرة ضامنة لشعبنا ووطننا. ونرى، بنتيجة تضحيات الشهداء، كيف اجتاز لبنان مخاطر وقطوعات في محطات مختلفة، يضيق الوقت لتعدادها».
ورأى الراعي أنه «رغم ما أحرز لبنان من ازدهار ونموّ من جهة، ومن حالات التراجع السياسي والاقتصادي والمعيشي، من جهة أخرى، ومن مظاهر الفقر والحرمان والحاجة عند أكثر من ثلث اللبنانيين من جهة ثالثة، فإننّا مدعوّون لنجدّد العزم والعزيمة بقوة دماء شهدائنا، فنضحّي بما يلزم لكي نحافظ على وديعة وطننا لبنان. فلا يكون أرضاً للهجرة أو للبيع أو للإهمال أو أرضاً سائبة للطامعين. فعلى أرضه المرويّة بدماء شهدائنا، وعرق جبين أجدادنا ودموعهم، كتبنا تاريخنا ورسمنا هويّتنا وحدّدنا رسالتنا».
الجمهورية