وطنية – اختتم البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، مساء اليوم، جولته الرعوية في منطقة عاليه وبعبدا، والتي استمرت على مدى ثلاثة أيام، في دارة رئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” النائب طلال ارسلان، في خلدة، حيث أقام ارسلان مأدبة عشاء على شرفه، حضرها حشد من الشخصيات.
وكان الراعي قد زار قبل خلدة السرايا الارسلانية في الشويفات، حيث استقبله ارسلان، مع حشد من الشخصيات أبرزها: وزير الزراعة أكرم شهيب، النائبان هنري الحلو وبلال فرحات، الوزير السابق مروان خير الدين، النواب السابقون: فؤاد السعد، شادي الهبر ومروان أبو فاضل، محافظ الجنوب منصور ضو، رئيس الأركان في الجيش اللواء الركن وليد سلمان، وفد من مشايخ طائفة الموحدين الدروز وشخصيات سياسية وعسكرية ودينية.
أرسلان
وبعد ترحيب من كاهن كنيسة السيدة الأرثوذكسية بالراعي والوفد المرافق، ألقى النائب ارسلان كلمة توجه في مستهلها إلى الراعي والحضور بالقول: “من نعم الله علينا أن نلتقي هنا في الشويفات، مدينة العمران التي وصل إليها أسلافنا المجاهدون في العام 799 ميلاديا، قبل 1216 سنة، استوطنوا فيها وانطلقوا لإعمار الجبال، وكانت تدعى يومها جبال بيروت. فعمروا هذه الجبال، التي كانت خالية من السكان. هذا ما تؤكده حقائق التاريخ، ووثقها المؤرخون الصادقون، وفي مقدمهم سلفكم الميمون العالم العلامة المرجع المرموق، أعني به المثلث الرحمات غبطة البطريرك الكبير معلم الملوك مار اسطفان الدويهي، طيب الله ثراه. وللأمانة والدقة في هذا المجال، ورد في كتابه عن تاريخ الطائفة المارونية صفحة 280 و 281 بالحرف: سنة 759 ميلاديا قدم الأمير منذر بباقي العرب، ونهض الأميران منذر وأرسلان برجالهما، ونصبا مضاربهما جنوب جبل المغيثة. فكانا يجوبان البلاد بعشائرهما، ثم يرجعان إلى المغيثة، ثم تفرقا وعشائرهما في البلاد، فعمروا جبال بيروت الخالية، وتركوا البداوة، واستوطن الأمير منذر بن مالك حصن سرحمول، وسكن أرسلان في سن الفيل. غادر مسعود بن أرسلان سن الفيل نهائيا عام 796 ميلاديا، وأقام في الشويفات مع أخويه الأمراء مالك وعون. هاجر بعدهم أبناء الأمير مسعود سن الفيل وعاشوا في خلدة وجوارها”.
أضاف “إذا، هنا في الشويفات بالذات، نحن في قلب الورشة المعمارية التاريخية الكبرى، التي كان قد بدأها الأسلاف المجاهدون، حين أسسوا الإمارة في سن الفيل، فكانت حجر الزاوية لما أصبح يعرف فيما بعد بإمارة جبل لبنان، التي بدورها، شكلت النواة الصلبة للكيان اللبناني”.
وقال متوجها إلى الراعي “هنا يا صاحب الغبطة، ثمة مفارقة تاريخية تستحق أن نتوقف عندها، لأنها مليئة بالعبر. لقد وصلوا إلى أرض لبنان، وهم عرب أقحاح. فاستوطنوا فيه. ثم جاءهم التكليف الشهير بحماية الثغور، للدفاع عن الإمبراطورية العربية، فكانوا خير من يحمي الثغور. وفي سياق تنفيذ المهمة، فإن جاذبية أرض لبنان توضحت لهم من خلال الحرية، فقرروا أن يكون لإمارتهم، حكما ذاتيا من دون أن يتنكروا للعروبة ولإمبراطوريتها. نعم، إنها جاذبية الحرية، والجاذبية هنا تؤكد بما لا يقبل الشك أن لا تناقض ما بين العروبة وحرية لبنان. إنها إرادة الله عز وجل، الذي بارك لبنان وكرم بنيه، بأن جعل من أرضه، المكان الذي حلت به دعوة التوحيد الشريفة. فتسلموها في وادي التيم من أرض جنوبنا الحبيب”.
أضاف “يا صاحب الغبطة: إن الشويفات وأهل الشويفات، يشكلون عائلة لبنانية أصيلة واحدة موحدة، وهي نموذج نريده أن يتعمم على لبنان كافة: نموذج الوطنية والإلفة والمحبة والتضامن والتضحية. مشهود لأهلها، كل أهلها بالوفاء للعهود، وبمحبة الضيف، وبالإنفتاح على إخوتهم في الوطنية”.
وتابع “سوف تزورون بلا شك، كنيسة السيدة، وترون كيف أن مبنى الكنيسة المارونية، له جدار واحد مشترك مع جدار الكنيسة الأرثوذوكسية، ولهذه الظاهرة معنى. أنتم خير من يدرك قيمته، لأن وحدة البنيان ترمز إلى وحدة الكنائس المسيحية، ووحدة القلوب. وأبناء الشويفات، يعتزون بذلك، ويحرصون على أن يتعرف الزوار على هذه الظاهرة، التي تكاد تكون فريدة في لبنان. ونحن نصر على أن لبنان، كل لبنان، هو أسرة واحدة، أسرة وطنية واحدة. وجولتكم الرعاوية في منطقتنا الحبيبة هي تدعيم لهذه الوحدة، التي لا يزايد أحد على أحد في الحرص عليها”.
وختم “الشويفات يا صاحب الغبطة. بكل مكوناتها العائلية والدينية، عينة عن تركيبة لبنان الاجتماعية والثقافية، وكلها تعتز بزيارتكم الكريمة. فتفضلوا يا صاحب الغبطة والنيافة، للترحيب بنا جميعا في مدينتكم العريقة الشويفات. فأهلها أهلكم وبيوتها بيوتكم”.
السوقي
ثم ألقى رئيس بلدية الشويفات ملحم السوقي، كلمة رحب فيها بالراعي “في مدينة الشويفات التاريخية، مدينة بطل الاستقلال مجيد أرسلان. هنا على سواحل الشويفات كنيسة سيدة خلدة المباركة التي تعود بتاريخها الى العام 1795 والتي يتقاطر إليها الناس بصلواتهم. كانت عجائب السيدة كثيرة مع زائريها، لذلك عم صيتها في لبنان وأصبح عيدها في 15 آب”.
وأشار إلى أن الإيمان بكنيسة سيدة خلدة “لم يقتصر الايمان على الطائفة المسيحية بل تعداه إلى الاسلامية والدرزية. وهذه الكنيسة وغيرها من كنائس الشويفات، أمانة في أعناقنا طالما حيينا”.
وتابع متوجها إلى الراعي بالقول: “إنه تاريخ من العيش الوطني والشركة التي تكلمتم عنها، فنحن على ثقة بتفانيكم من أجل خلاص لبنان، ووجودكم بركة ونحن نتشارك قدر الامكان مع المواطنين بكل أطيافهم في كل المناسبات وخصوصا الدينية منها، وبايعاز دائم من الأمير طلال أرسلان، فمهما اختلفنا يبقى التنوع غنى وهذا ما نسعى إلى أن نورثه لأولادنا”.
الراعي
والقى الراعي كلمة، قال فيها: “نحتفل في الدارة الأرسلانية بختام قداسنا الالهي اليوم، انه احتفال وطني. أحيي المشايخ المكارم وأشكركم لأنهم معنا مع حلول العاشور. احيي هذه الدار، وكل الارسلانيين، وانتم أيها المير طلال. لقد حافظتم على الارث وكل ابعاده، لقد جمعتمونا بأطيب الوجوه هذه الليلة. وأجمل ما يمكن ان ننهي به هذه الأيام الثلاثة، هو وجودنا في هذه الدار الكريمة، الأن لقد كنا في منطقة مع الأخوة الموحدين الدروز. سمعنا صرختهم لخلاص لبنان، يطالبون بالحفاظ على الكيان اللبناني بدءا من انتخاب رئيس، الى تفعيل عمل المؤسسات، كما سمعنا من الروم الارثوذكس نفس المطالب، كذلك من اخوتنا الشيعة كانت الصرخة نفسها، ليس افضل من هذه الدار التاريخية، لان نطلق معكم صرخة لانتخاب رئيس الجمهورية، فيستعيد لبنان وشعبه مكانتهما بين الدول”.
أضاف “هذه محطة، سنسلم بعدها سيدة خلدة كل امنياتنا، ونعود بعدها الى بكركي أغنياء بالرجاء والأمل، خصوصا أننا التقينا شعبا لبنانيا، أبيا عصاميا، عرف كيف يعيش جمال المصالحة واللقاء، أعاد بناء مسكنه الذي تهدم ومدارسه ودور العبادة، طوى صفحة الماضي السوداء، وهذه هي البطولة اللبنانية، أبطال هم من يتخلون عن مواقفهم، ويضعون الوطن اولا. هكذا كان الأمير مجيد ارسلان، ونحن اليوم اكتشفنا شعبنا اللبناني، بعد هذه الزيارة، لذلك ننتظر من الجماعة السياسية، ان تعيش تماما كما يعيش الشعب اللبناني، آملين ان تعود القيادات الى طاولة الحوار، وتضع أمامها لبنان اولا، فتبحث عن مخرج للازمة العظيمة، التي يعيشها بلدنا وهي الفراغ الرئاسي”.
وختم “ننهي المحطة 42 من زياراتنا، والجميل أنها تكللت بهذه المحطة في السرايا الأرسلانية في الشويفات”.
بعدها قدم أرسلان مفتاح بلدة الشويفات، إلى الراعي، وقدمت له البلدية وجمعيات البلدة هدايا تذكارية.
بعدها، توجه الراعي الى كنيسة السيدة المارونية في الشويفات، حيث بارك المؤمنين. وكانت كلمة لكاهن الرعية شربل ذيب، قال فيها: “ان ابناء رعيتي في الشويفات، بحسب لوائح القيد، لا يربون على الثلاثمائة عائلة، بينما الذين افتخر بوجودهم هنا، لا يزيد عددهم عن الستين عائلة. صلاتي من اجلهم ومن أجل أن يعرفوا مدى خطورة بعدهم عن اغراضهم، أو محاولة بيع أملاكهم، هذه الارض غالية، ونرفع صوتنا مع صوتكم يا صاحب الغبطة، لنقول: هذه الارض غالية لا تفرطوا بها، ولان المدينة اشتهرت بالزيتون نقدم لكم هذه الغرسة رمزا للشويفات، تحملونها لتزرع في ارض بكركي المباركة”.
ثم، ومن خارج برنامج الزيارة، توجه الراعي والوفد المرافق وحشد من المؤمنين، إلى كنيسة السيدة للروم الارثوذوكس، التي يفصل بينها وبين كنيسة السيدة للموارنة حائط مشترك، حيث بارك المؤمنين.
وكانت مداخلة لكاهن الرعية الخوري الياس كرم، الذي قال: “نفتخر في هذه المنطقة بدعم جميع ابنائها لكنيسة الدروز، قبل المسيحيين، ليس فقط على صعيد البلدية، انما مبادرات فردية من اخوتنا الدروز، ونحن نؤكد ان الكنيستين معا، لم تمسا بأي أذى طيلة الحرب الاهلية، بل حافظ عليها الاخوة الدروز”.
ثم قدمت لجنة الكنيسة أيقونة السيد المسيح للبطريرك الراعي.
واستوقفت موكب الراعي استقبالات شعبية، أنار خلالها المواطنون الشموع، ونثروا الورود.