ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطارنة بولس الصياح، حنا علوان وعاد ابي كرم ولفيف من الكهنة، في حضور حشد من المؤمنين، عائلة المطران يوسف الخوري وعائلة المرحومة ماغي ابو سليمان.
العظة
بعد الانجيل المقدس ، ألقى الراعي عظة بعنوان “إسمه يوحنا قال فيها:(لو 1: 63) ، قال فيها: “في مسيرتنا نحو الميلاد، تتذكَر الكنيسة في هذا الأحد مولد يوحنا المعمدان والسابق. فكان آخر نبي من أنبياء العهد القديم، الذين تنبأوا عن المسيح، وأول رسول من رسل العهد الجديد الذين بشروا بقدومه. بمولد يوحنا تعلن رحمة الله الخلاصية لجميع الناس. ولذا أوحى الملاك لأبيه زكريا أن يسميه يوحنا الذي تفسيره “الله رحوم”. يوحنا السابق ليسوع بستة أشهر أعلن أن رحمة الله تتجلى وتأخذ جسدا بشخص ابن الله المتجسد من مريم. فأصبح للرحمة اسم في تاريخ البشر هو يسوع المسيح. من أجل قبول رحمة الله، جاء يوحنا يهيء القلوب لها، داعيا إلى التوبة، وممارسا معمودية الماء لغفران الخطايا.
هذه الفترة الاستعدادية لعيد الميلاد تدعونا للدخول في مسيرة التوبة، والانفتاح لرحمة الله، من أجل التجدد بالنعمة، وتجديد صورة الله فينا. فالإله صار إنسانا، ليعيد الإنسان إلى جوهر إنسانيته”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، وأن نرحب بكم جميعا، ونحيي بنوع خاص أشقاءالمثلث الرحمة المطران يوسف الخوري، مطران أبرشية مار مارون كندا السابق، وأنسباءه. وقد ودعناه معهم منذ أسبوعين. نذكره اليوم في هذه الذبيحة الإلهية ملتمسين له الراحة الأبدية في السماء ونجدد تعازينا لأشقائه وشقيقاته وعائلاتهم. ونحيي بيننا أيضا أفراد عائلة المرحومة ماغي ابو سليمان التي ودعناها معهم ومع أهالي المتين منذ خمسة وعشرين يوما. نلتمس لها الراحة الأبدية في بيت الآب ولأسرتها العزاء الإلهي”.
وقال: يبدأ النص الإنجيلي بالقول أنه “لما تم زمان إليصابات لتلد، ولدت ابنا. هذا “إتمام الزمن” لا يعني فقط زمن الشهر التاسع الذي تلد فيه المرأة مولودها، بل يعني أيضا زمن تحقيق الله وعده، واتكال زكريا وإليصابات على عنايته، واكتمال زمن انتظارهما لتجلي رحمة الله.
حياتنا كلها، كمسيحيين، في حالة انتظار لتجليات إرادة الله وتحقيق تصميمه الخلاصي في تاريخنا البشري. والانتظار صلاة وتأمل وسهر وأمانة لله ولرسومه، وبخاصة في الظروف الصعبة والمعاكسة والمظلمة والغامضة. ثمرة انتظار زكريا وإليصابات، وأمانتهما لله وللواجب، ظهرت في هبة يوحنا الذي قال عنه الرب يسوع: “لم يولد في مواليد النساء مثل يوحنا” (لو7: 28).
وتابع: “إتمام الزمن” يتحقق في كل واحد وواحدة منا، كشريك لله في بناء تاريخنا البشري على قيم تاريخ الخلاص. ويتحقق على الأخص في كل مسؤول في الكنيسة والعائلة والمجتمع والدولة. فينبغي أن يجعله زمن حقيقة وعدالة ومحبة وحرية بمفهومها الموضوعي لا النسبي. وهي الزوايا الأربع التي يرتكز عليها بناء البيت الكنسي والعائلي والاجتماعي والوطني”.
أضاف: “بسبب الخلل في هذه الزوايا تعثر سابقا انتخاب رئيس للجمهورية على مدى سنتين وخمسة أشهر، ذهبت كلها ضياعا وخلفت في الوقت عينه نتائج وخيمة في الحياة السياسية والاقتصادية والمعيشية، وفي نشاط المؤسسات العامة. واليوم، بعد شهر كامل على تكليف رئيس الحكومة الجديد تشكيلها بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، بحيث تكون جامعة وقادرة وفقا للميثاق الوطني والدستور، نخشى أن يتعثر هذا التشكيل للخلل نفسه، ولمدة غير معروفة، على حساب المصلحة الوطنية العليا، وممارسة مهام السلطة الإجرائية، كما يقتضيها الدستور. لا يمكن أن تسلم حياة اجتماعية ووطنية، والحقيقة مغيبة، والعدالة منتقصة، والمحبة جافة في القلوب، والحرية أسيرة المصالح الشخصية والفئوية. فإننا نناشد من جديد الكتل السياسية والنيابية التقيد بالدستور وبوثيقة الوفاق الوطني، والمؤازرة في تسهيل تشكيل الحكومة، واضعين أمام أعينهم خير البلاد، وقيام دولة المؤسسات والقانون، والصالح العام.
في هذا الأحد الذي نحيي فيه مولد يوحنا، المعلن باسمه وبرسالته، رحمة الله ودعوة البشر إلى اختبارها وممارستها، نأمل من المسؤولين في أي قطاع أن يمارسوها حقيقة وعدالة ومحبة وحرية، من خلال القيام بواجبات حالتهم”.
وتابع: “إن اختيار اسم يوحنا للمولود الجديد جاء بتناغم كامل بين اليصابات وزكريا الأبكم: فهي بوحي من الروح القدس الذي ملأها يوم زيارة مريم العذراء لها، وهو من فم الملاك جبرائيل. هذا التناغم يكشف قيمة الزواج كسر، أي كأداة تنقل النعمة الإلهية، وتجعل الله حاضرا في حياة الزوجَين والعائلة. ولهذه الغاية رفع الرب يسوع مؤسسة الزواج الطبيعية إلى مرتبة سر مقدس ،لكي ينير درب الزوجين والوالدين بكلام الحياة وإلهامات الروح، ويقويهما في الضعف، ويعزيهما في الحزن، ويشدِدهما في المحن، ويعضدهما في القيام بواجب الإيلاد والتربية والإعالة”.
أضاف: “في سر الزواج يقطع العروسان عهدا مثلثا، مرموزا إليه بالخاتمين. العهد الأول هو عهد الحب بينهما بحيث يلتزم كل واحد شخصيا بإسعاد الآخر مدى العمر، بقوة الحب الإلهي الذي يقدس حبهما بحلول الروح القدس، ويجعله وسيلة لتقديس الذات الزوجية. والعهد الثاني هو عهد الأمانة لله ولكلامه ورسومه، وللدعوة السامية التي يلبيانها في سر الزواج ورسالته. والعهد الثالث هو مع العائلة البشرية، من خلال الالتزام بنقل الحياة البشرية عبر الإنجاب والتربية والإعالة. بهذا الإنجاب يحفظ إرث الوالدين وتراث العائلة، وينمو الجنس البشري، ويعطى الحق لكائنات بشرية جديدة أن تولد وتنعم بخيرات الأرض والسماء. فالحب بحد ذاته خلاق ومعطاء”.
وختم الراعي: “إننا نصلي اليوم من أجل الأزواج والوالدين، ومن أجل كل عائلة، في زمن صعب عليهم وعليها، اقتصاديا وأخلاقيا وروحيا؛ لكي ينعموا بالاستقرار، ويدركوا حضور الله في حياتهم الزوجية والعائلية لخيرها ومساعدتها. وليرتفع، من كل عائلة دموية وكنسية ووطنية، نشيدُ المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
وطنية