تحقيق سهام حبشي
وطنية – بعد دير مار ساسين – بسكنتا، دير سيدة النجاة – حبوب، دير مار مارون ـ القنيطرة، دير مار الياس الراس ـ جعيتا، ودير مار سمعان أيطو، ها هن الراهبات اللبنانيات المارونيات يحططن الرحال في قرنة بيت لطوف في دير الأحمر في اليوبيل المئوي لوفاة القديسة.
مخاض عسير أثمر بعد طول انتظار ومسار طويل اجترحت خلاله القديسة رفقا أعجوبة جديدة، فتدشين كنيسة الدير تم يوم الأحد 10 آب الحالي برعاية راعي أبرشية بعلبك وديرالأحمر المطران سمعان عطالله الذي احتفل بالذبيحة الإلهية في كنيسة الدير الجديد في حضور الرئيسة العامة الأم صونيا الغصين ومجلس الرهبنة، في حين تغيب المحسن الجنوبي المغترب جورج فرحة المساهم الأكبر في التمويل.
مسار طويل
عن المسار الطويل الذي سلكه مشروع بناء الدير في تلك المنطقة المحرومة من لبنان، تقول الأخت ريتا سلامة: “وصلنا، الأخت مارسيل حبشي وأنا، الى هذه المنطقة عام 2003 بطريقة عجائبية. في البداية عارضت الرئيسة العامة الأم ماري سعد قدومنا متخوفة من صعوبة العيش هنا وضآلة الموارد الإقتصادية لأن ذلك يشكل عائقا ماديا كبيرا امام تأسيس دير جديد تابع للرهبنة نظرا لتميزها باستقلالية كل دير عن الباقين. فوفق النظام المعمول به في الرهبنة تتغير السلطة كل ست سنوات وقد أقام المطران الهاشم الاتفاقية بإنشاء الدير المنشود مع الأم ماري سعد في أواخر عهدها، وعندما انتخبت الام ماري كلود عيد تخوفت من الصعوبات المادية التي ستواجه تأسيس في منطقة تفتقر الى الإنماء وتعاني من إهمال الدولة المزمن”.
وتضيف: “بعد انعقاد مجمع إداري في الرهبنة ضم ستا وثلاثين راهبة لبنانية مارونية في بسكنتا، قر الرأي على تأسيس دير جديد في دير الأحمر، ولكن الراهبات اللواتي وافقن بأكثريتهن على المشروع، عرضن عن القدوم الى المنطقة تخوفا من الصعوبات والتحديات”.
وتابعت الأخت ريتا: “لكي نؤمن مصاريف انتقالنا الى هنا اضطررنا لبيع روزنامات للقديس شربل استقدمناها من عنايا، من منطقة جبيل حتى مستديرة الصياد في الحازمية، فاستطعنا جمع مبلغ خمسة ملايين ليرة، كانت الخميرة التي أودعها القديس شربل في معجن القديسة رفقا”.
وأشارت الاخت مارسيل الى انه “عندما تحرك تمثال سيدة بشوات بصورة فائقة للطبيعة عام 2004 وبدأت رحلات الحج الى المقام العجائبي تتكثف، أخذ النزلاء يتوافدون الى مركز مار سابا الذي أقامت فيه الأختان سلامة وحبشي، ما أتاح لهما متابعة تجهيزه ليصبح صالحا لاستقبال الحجاج، من المدخل حتى السطح والقرميد.
وبعد فترة وجيزة قدم ذوو الأخت مارسيل قطعة أرض صالحة لبناء الدير، ” فتحمست للقدوم بهدف تأسيسه”، كما تقول؛ وأعربت الأخت ريتا عن رغبتها بمرافقتها، ” فبدأنا نصلي”. تتابع الأخت مارسيل، ” أقمنا التساعيات وساعات السجود وشاركنا في القداس على هذه النية لنحو سنتين لكي نتبين مشيئة الرب في هذا المشروع”.
واضافت: “في عهد الأم ماري كلود عيد تمكنا من جمع ذلك المبلغ الصغير وانتقلنا الى هنا. نزلنا في الأسبوعين الأولين في بيت العائلة، ثم لبينا طلب المطران منجد الهاشم بالإقامة في هذا الموكز، مركز مار سابا في جوار سيدة بشوات، ولم يكن بنيانه وتجهيزه، ولا سيما بالأبواب والنوافذ، قد اكتملا بعد. وكان في حالة مزرية نظرا لاستعماله من قبل فرق الكشافة”.
وتروي الأخت مارسيل التي غادرت قرنة بيت لطوف في عامها الثالث ودخلت الرهبنة عند بلوغها عامها الثاني عشر: “لم أكن بوارد القدوم الى هنا قبل الجناز السنوي الأول لوالدي. وقد جاءت راهبات من ديرنا لمشاركتنا في الصلاة فتحدثن مع شقيقي عن رغبتهن في ان يكون لهن دير في هذه المنطقة رغم ضيق ظروف العيش؛ فعرض عليهن بيت طفولتنا في قرنة بيت لطوف وقطعة ارض مجاورة له”.
وقالت: “بين ليلة وضحاها ولدت الرغبة في قلبي لأن أتطوع في تأسيس المشروع على الأرض التي بادر أهلي الى تقديمها. وقد ارتأى أقربائي ان تمنح رهبنتا مساحة أكبر وموقعا أفضل ليكون تأسيس الدير في أفضل نقطة مشرفة في المنطقة فوقع الخيار على “مقل الضهر”، الذي تملكه مجموعة بيت لطوف ( حبشي ) ؛ فأتينا والمطران غي نجيم والأم ماري كلود عيد وأقمنا الزياح على الارض المذكورة واضعين شربل ورفقا والحرديني والعذراء تحت اللزابة، الملاصقة لبناء كنيسة الدير الجديد”.
وتابعت: “بعد ذلك بحثنا عن الخرائط وصكوك الأراضي، فاكتشفنا ان الأرض جمهورية وان الشعب هي لأبناء لطوف حبشي فكان لا بد من سلوك المسار القانوني لاستملاك الأرض. وقد أقمنا منذ انتقالنا الى هنا في هذا المركز بناء لرغبة المطران منجد الهاشم الذي أصر على ان نتابع أعمال تأسيس الدير من هنا”.
واشارت الى إتفاقية كانت قد عقدت بين المطران منجد الهاشم الذي كان يطالب الرهبنة بتأسيس دير في منطقة دير الأحمر والأم ماري سعد بإقامة دير هنا، لكن الظروف كانت معاكسة للنوايا ولم تنفذ الإتفاقية.
أعمال صغيرة وإنجاز كبير
وقالت الأخت مارسيل: “كنا نصنع المسابح، ونعمل في التطريز ونرسل ما نصنعه الى أستراليا والسويد مع الزوار لكي نستكمل إنجاز المركز، كما عمدنا الى تربية الدجاج وتحضير المرصبان والخل وماء الزهر وماء الورد، وبات المركز foyer يحوي عشر غرف جاهزة لاستقبال النزلاء ولا سيما الراغبين في القيام برياضة روحية مقابل مبلغ زهيد”.
وتضيف: ” لقد عملنا في البداية مدة خمسة عشر يوما في تنظيف المركز بمساعدة عاملتين لدى كاريتاس من التابعية السريلانكية. وبعد الإنتهاء من التنظيف نمنا على فرش من الإسفنج ولم تكن النوافذ منجزة لتقينا من البرد. كنا نستعمل فرن غاز صغير للطهو ونجلي الأطباق تحت السنديانة.
وتتابع : “عندما كان الحجاج يأتون لزيارة سيدة بشوات، كانوا يعرجون لاستراحة تحت السنديانة؛ وكانوا يبادرون الى مساعدتنا بما تيسر لديهم عندما كانوا يلاحظون افتقار المركز الى التجهيز والى وسائل التدفئة، خصوصا وان البرد القارس يخيم على المنطقة في فصل الشتاء، وقدمت لنا المساعدة حتى من الإخوة المسلمين”.
واوضحت ان “السلطة كانت متخوفة من صعوبة خوضنا المشروع، فالمنطقة فقيرة ومواردها ضئيلة؛ وكانت الراهبات القادمات لزيارة “السيدة” يهنئننا على شجاعتنا في خوض هذه المغامرة”.
وعن التجربة الصعبة تقول الأخت مارسيل: “كان طموحنا الأقصى أن نفرغ أرضية الكنيسة و نشيد السطح”، مؤكدة ان “كل عمل هام وكبير تواجهه الصعوبات”، مشيرة الى انه “حاليا لا يوجد في الدير الا اربع راهبات في حين ان كل دير من الأديار التابعة للرهبنة يضم ما لا يقل عن عشرين راهبة”، وقالت: “نحن نعول كثيرا على الدعوات التي ستنمو في المنطقة”.
واضافت: “لقد حظينا باهتمام ودعم الأم لور رزق التي كانت متحمسة جدا لهذا المشروع وبدأت الراهبات يترددن علينا صيفا لإقامة الرياضات الروحية على أمل أن تنمو الرغبة في قلوبهن المكوث هنا”.
وعن تمويل بناء الدير، قالت الأخت مارسيل: “لقد طلبت من أحد الحجاج اللبنانيين الزائرين لكابيلا مار سابا بوحي إلهي ان يرفع طلب مساعدتنا الى كاهن رعيته في دبي من أجل وضع حجر الأساس بسبب الضائقة الإقتصادية التي يعاني منها لبنان، فأشار الى ان رب عمله اللبناني غالبا ما يساهم في عمل الخير وهو المغترب الجنوبي جورج فرحة وسيطرح عليه الفكرة، فحملناه زادا وهدية من تراب رفقا ومن زيت وبخور فوعدنا بالرد سريعا، واذا به يتصل بنا بعد خمسة ايام لينبئنا بأن السيد فرحة يريد التحدث إلينا؛ وقد أعرب عن رغبته بشراء الأرض لنا لكي يكون بناء الدير قانونيا ووفق الأصول. كما استقدم المهندسين وتكفل بالبناء”، مشيرة الى “حرصه على ان يبقى عطاؤه بعيدا عن الإعلام”.
في اليوبيل المئوي لوفاتها، بات للقديسة رفقا ديرها في دير الأحمر وستحل بركة ذخائرها في 16 و 17 آب الجاري في في دير الراهبات اللبنانيات المارونيات في قرنة بيت لطوف؛ وسيبقى مركز مار سابا في بشوات تحت إشراف الراهبات اللبنانيات المارونيات وإدارتهن بعد إنجاز العمل في الدير الجديد وانتقالهن للإقامة فيه كما هو الحال في بقاعكفرا، حيث للراهبات مركز يستقبلن فيه الحجاج والراغبين في القيام برياضات روحية وتؤمن سير العمل فيه راهبتان تابعتان لدير مار سمعان – ايطو.