الله لا يقحم نفسه فيك. يريدك مريداً للخلاص. والخلاص أنت ترجوه فإنه في الله كامل وهو يعطيك إيّاه كاملا وأنت تقبله. وإذا قبلت فهذا هو الإيمان. وفي اللغة الإيمان ان تعرف الله مأمنًا لك أي مكان أمنك بحيث لا يكون لك وجود خارجاً عنه. هذا هو السر ان تكون قائما في الله أي انه هو حيزك. هو فقط حيزك وأنت لست هو ومع ذلك أنت فيه. هذا كله لا تفهمه الا بالحب. أنت في الله تعني أيضا انك اليه لأن كل علاقتنا به حركة. أهل الحب يفهمون هذا الكلام لأنهم تحرروا من الحيز.
وجودنا في الله حركتنا اليه والحركة اليه هي منه أيضا. وهذه الحركة هي الرجاء الذي يجعلنا الرب فيه إذا شاء. نحن راجون أي اننا نصير إلى ما نرجو لأن الله آت. هو ما أتى فقط وانتهى مجيئه. هو دوما آت وتراه في كل إطلالة منه وتراه جديدا. الله ثابت بمعنى انه وفي لنفسه أي انه لا يقلل أبدا مما يعطيك اذ لا يعطيك اقل من ذاته. وهو إيّاه «أمس واليوم وإلى الأبد». وإذا رجوت تعرف ان ما ترجوه هو عندك ومعك.
أنت ترجو الله أي تطلب الآتي منه كل يوم لأنك تعرفه أمينًا لذاته وانه معطيك ما عنده أي كل شيء. الرجاء هو إلى ما سوف يأتي ولكن في الله الآتي أتى أي انك تطلب دوام العطاء الإلهي اليك. فإذا كان الإيمان تحديدا هو الثبات في الله يكون الرجاء ما تنتظره من عطايا الرب الدائمة. ترجو معناها الحقيقي انك تتحرك إلى ما جاءك لأن ما يعطيه الرب انما كان وهو كائن وسيكون. نحن مع الله في الحقيقة لسنا إلى ما يأتي ولكن إلى هذا الذي لا يتغيّر. مع الله نحن في الدوام.
ليس الرجاء ان تنتظر للغد ما كان أفضل مما جاءنا في الأمس. الرجاء هو الإيمان الحقيقي بدوام العطاء الإلهي وبأن ما يعطيه هو إيّاه ما أعطاه بالأمس. أنت ترجو لأن لك في الغد ما كان لك بالأمس لأن ربك هو إيّاه وهو على العطاء الواحد.
عندما نتكلم على الرجاء لا نتكلم على شيء ما عرفناه وذلك لأن الله واحد مع نفسه. نحن نريد ان يكون الرب هو إياه معنا ولا يزاد على هذا شيء. في الحقيقة او في العمق اذًا الرجاء والإيمان واحد. ليس الا الإيمان بمعنى انك لا ترجو الا ما تؤمن به أي لا ترجو الا القائم.
ضد الرجاء الإذعان إلى المتغيّر. أنت تعرف ان الله لم يأت فقط ولكنه آتٍ أبدًا ويأتي هو إيّاه أي في محبته. أنت لا تؤمن ان الغد أفضل من الأمس. تؤمن ان الدائم الإلهي يرافقك ويجعلك موافقا إيّاه ومرافقا. الرجاء هو الثقة بأن الله موافق لذاته لأن الزمان لا يغيره. ويبقى على تغييراتك مرافقا إياك.
ليس الرجاء الاعتقاد ان الغد بما يحمل من متغيرات أفضل من اليوم ولكن بمعنى ان الله بمحبته واحد مع نفسه اليوم وغدا. ومن هذا المنظار ليس الرجاء غير الإيمان. فلكون الله هو إيّاه يعطيك اليوم ما أعطاك بالأمس. أنت مؤمن بشيء واحد وهو ان الله أمين لنفسه. من هذه الزاوية أمكن القول ان الرجاء هو إيّاه الإيمان.
النهار