آشوريــّـو اليوم (لمحة تاريخية):
هم الشعب الأصيل لما يـُـعرف اليوم بـ”العراق” وينتمون إلى آشور التاريخية (شمال العراق)، سقط كيانهم السياسي (آشور) عام 612 ق.م على يد الفرس الميديين والكلديين، ولا يزالوا متميزين عن محيطهم بالهوية الآشورية كونهم يمارسون الثقافة الآشورية (اللغة والعادات)، فلغتهم اليوم هي الآشورية الحديثة (الآكادية المتأثرة باللفظ الآرامي) وتسمّى طقسيا بـ”السُّريانية”، وهم أوّل شعب اعتنق المسيحية، وذلك في العراق (رسالة بطرس الأولى، 5-13)، وينتمون إلى عدّة كنائس وهي (حسب التسلسل التاريخي): كنيسة المشرق الآشورية، الكنيسة السُّـريانية الأورثوذوكسية، الكنيسة الكلدانية، الكنيسة السريانية الكاثوليكية، بالإضافة إلى الكنائس الإنجيلية والبروتستانتية، والكنيسة الشرقية القديمة. والقسم الأكبر منهم مشتت في أصقاع المعمورة بسبب الإبادات التي تعرّضوا لها على يد محيطهم (ألأكراد والأتراك والعرب)، ويبلغ عددهم اليوم في العراق حوالي 500.000 أغلبيتهم الساحقة في آشور المحتلة (شمال العراق)، بينما يبلغ عددهم في المهجر حوالي المليونين، ومنهم مليون تمّ تهجيرهم من العراق بعد 2003.
عزوَة نينوى – 2014 :
بضعة مئات من الرعـّـاع الذين لملمهم الغرب بمساعدة تركيا وبعض دويلات الخليج، يهاجمون ثاني أكبر مدينة في العراق في وضح النهار، ويدخلونها بكل سهولة بعد انسحاب الجيش العراقي الذي ليس سوى مجموعة ميليشيات طائفية وقومية حاقدة على بعضها، وفي الموصل هي بأمرة ضباط سنــّـة وأكراد مرتبطين بأجندات فئوية، وقد شاء القدر أن تكون مصلحة الطرفين (العربي والكردي) مشتـَـركة في دخول داعش إلى الموصل، فالمصلحة لدى الزعامات “السنيــّـة العربية” تتلخّص بإضعاف المالكي سياسيا وزيادة الضغط الدولي عليه ليترك رئاسة الحكومة، أما المصلحة الكردية فهي رسم خارطة جديدة في العراق على أن تكون فيها المنطقة “السنيــّـة” المتاخمة للإحتلال الكردي، منطقة فوضوية تعيث فيها العصابات خرابا ودمارا لتبدو أربيل أمامها “جنــّـة الإنجازات” بنظر العالم الأعمى، ومن تلك المنطقة الفوضوية سيهرب الآشوريون مرغمين إلى منطقة الإحتلال الكردي كونها الوحيدة الغير مستهدَفة من داعش، وبذلك يكسب الأكراد مجددا ثقة الغرب “المسيحاني” على أن كيانهم هو ملجأ المضطهدين، تمهيدا لإعلانه كدولة. وما تسليح أميركا واتباعها للأكراد بحجة “مواجهة الإرهاب”، سوى تحضيراً لـقـوّة عسكرية ستواجه دولة العراق لتفرض استقلالها ككيان نفطي، طالما اعتبره مصطفى البرزاني كولاية أميركية في وعوده لهنري كسينجر.
إن مسرحية داعش قد انكشف أمرها منذ تسليمها الموصل، ومن ثم إعلان أوباما أن طائراته ستتدخــّـل “لوقف اقتراب داعش من أربيل وحماية المصالح الأميركية”، مزينا حديثه بنكهة إنسانية حول اللاجئين الإيزيديين، ومن المعروف أنه منذ أن وضعت الولايات المتحدة أسس “الشرق الأوسط الجديد” التي تحدّثت عنه كونداليزا رايس أمام الأيباك في حزيران/2005، عمدت إلى تأسيس مجموعات التخريب لتضربها بعد تحقيق مهمتها، راسمة لها حدودا جغرافية لا يجب تخطيها.
أما فيما يخصّ المجتمع العراقي، فقد أثبت عبر تاريخه أنه ليس ضمانة مُـطـَـمئنة للآشوريين وفقا لمجريات الأحداث في المجازر “العراقية” ضدّ الأمة الآشورية منذ تأسيس العراق عام 1921، بحيث كان مشاركاً في تلك المجازر أو على الأقلّ في التهجير ونهب الممتلكات، فهذا ما حصل خلال إبادة عام 1933 بحقّ الآشوريين حين كانت العشائر الكردية والعربية تشارك الحكومة في القتل والنهب والسلب، واليوم تتكرّر نفس العملية “التراثية” في نهب وسلب الآشوريين أثناء هروبهم من الموصل ومن بلداتهم العريقة، حيث المشكلة الأكبر بالنسبة لهم كانت جيرانهم المسلمين وليس “الغرباء” كما يحاول الإعلام العراقي إظهاره.
نتائج غزوَة نينوى على الآشوريين:
- على الصعيد الإنساني: مئات الآلاف من الآشوريين والإيزيديين تمّ تشريدهم في الجبال وعلى الطرقات، مع تزايد العروضات الغربية لقتل الوجود المسيحي الآشوري في الشرق بدءاً من مبادرة فرنسا حول استعدادها لمنح الهجرة لمن يرغب من الآشوريين، علما أنها عضوٌ دائم في مجلس الأمن الدولي ورغم ذلك لم تطرح القضية الآشورية يوما ولا كيفية حماية الآشوريين في أرضهم، وهذا ما تقوم به باقي الدول الأوروبية مثل ألمانيا وكذلك الولايات المتحدة عوضا عن اتخاذ قرار مصيري بشأن أمنهم على أرض أجدادهم.
- على الصعيد القومي: تسببت هذه الغزوَة بالمزيد من فقدان ثقة الآشوريين بمحيطهم سواء كان الجيش العراقي اللاوطني أم الميليشيات الكردية التي انسحبت أمام داعش، فالواقعتين تثبتان بأن القوى المسيطرة على العراق لا إمكانية (أو لا نية) لها بحماية الآشوريين، أما من ناحية النتائج الديموغرافية، فالآشوريون حتما سيفضلون ترك العراق بعد كل هذه الخيبات وبغياب صوت يمثلهم في المنابر الرسمية، مع وجود خطط واضحة لسيطرة الأكراد رسميا على مناطقهم في أطراف نينوى تمهيدا لضمّها إلى الإحتلال الكردي الذي طالما أرسل أتباعه إلى المنابر الدولية لتعطيل مطلب الحماية الدولية للآشوريين، وحول ذلك تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية (24/12/2010) : “الأكراد لا يريدون منطقة آمنة للمسيحيين لأنهم يريدون ضمّ مناطق المسيحيين إليهم”.
الحماية الدولية للآشوريين:
نشرت صحيفة التلغراف في 09/آب/2014 مقالة للرئيس السابق لهيئة الأركان العامة الجيش البريطاني، اللورد دانات، يسأل فيها: “استطعنا مع الأميركيين فرض منطقة آمنة للأكراد عام 1990، فما الذي يمنعنا اليوم من فرض منطقة آمنة للمسيحيين ؟”
سؤال يراود بال الآشوريين منذ 12 عاما هـُـجـِّــر خلالها 80% من أبناء الأمة الآشورية في سوريا والعراق، ودُمـِّـرت خلالها أكثر من 60 كنيسة تحت صرخات “الله أكبر”، وتمّ خلالها احتلال كامل المثلث الآشوري (بين الزاب الكبير ودجلة) من قبل الدخلاء الأكراد تحت شعار “أعطونا أرضكم وصلــّـوا في كنائسكم حتى تشبعون”، مسيطرين بذلك على العقلية الكنسية الآشورية (كلدان، سريان، مشرقيين)، وفي مقابل ذلك يتحرّك المهجر الآشوري بنشاط في المطالبة بالحماية الدولية، فالمظاهرات تطوف شوارع الدول التي صنعت العراق عام1921 ورممته بشكل شنيع في العام2003 تحضيرا لما يجري اليوم، فيما ينتظر الآشوريون الصامدون في آشور، يقظة الضمير العالمي تجنبا لكارثة القضاء على أحد أعرق شعوب العالم قوميا ومسيحيا..
إن ما جرى مؤخرا بحق الآشوريين ليس سوى حلقة في مسلسل يمتد إلى ماضي طويل من الإضطهادات ولا يجب فصله واعتباره “حدث طارئ” أو حصره بداعش كما يحاول البعض، وبما أن كافة مجريات الأحداث منذ تأسيس الدولة العراقية، تناقض كافة مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ببنوده الثلاثين، وتؤكــّـد أنه لا احترام للإنسان الآشوري في العراق سواء اجتماعيا أو ديموغرافياً أو ثقافيا، وانطلاقا مما وَرَد، ومنعا لتشتت الشعب الآشوري الأصيل، يجب إخضاع العراق لمراقبة أو محاسبة دولية – هذا من ناحية الواجب الأخلاقي الدولي – وفي 25/آب/2014 طالب السيد خوسيه فرانتشيسكو كالي تزاي، رئيس “لجنة الأمم المتحدة لمناهضة أشكال التمييز العنصري” وباجماع اعضائها، بعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن يتناول فيها إنشاء منطقة آمنة في ما يسمّى بـ”سهل نينوى”، الواقع جنوب المثلث الآشوري المحتلّ.
أما لو استحالت حماية الآشوريين بسبب تشابك المصالح الدولية كالعادة، فلا حلّ لمعاناتهم لا بالحماية الكردية ولا العراقية كون الطرفان لم يكونا يوما موضع ثقة الشعب العراقي عموما والآشوريين خصوصا، وفي النهاية، لا شيء يمنع تبنــّـي دولة عظمى للآشوريين في العراق تماما كما إيران تتبنى الشيعة وأميركا تتبنى الأكراد، وهذا يقف على جهود الآشوريين أنفسهم في التخطيط لمستقبل أكثر أمنا في محيطهم المعادي.
آشور كيواركيس، ناشط آشوري يرأس “حركة آشور الوطنية” التي تطالب بالحماية الدولية للآشوريين.