الريادة الاجتماعية مفهوم جديد يشقّ طريقه في صلب النقاش حول القطاع «الثالث» الصاعد المتمثّل بالإقتصاد الاجتماعي. فما هو تعريف هذا المفهوم؟ كيف يمكن إدراجه ضمن مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟ ما هي ميزات هذه المؤسسات التي تنتمي إليه؟ وكيف تساهم في تحفيز الاقتصاد الاجتماعي كأحد أعمدته وأحدث مكوّناته؟ وبماذا تختلف عن سائر المؤسسات الخارجة عن إطار القطاع الثالث وماذا ينتظر تقدّمها؟
خلال السنوات العشر الماضية، اكتسب الابتكار الاجتماعي مكاناً متزايداً في عالم العمل وشقّت مؤسسات الريادة الاجتماعية طريقها الحديث بين سائر المكوّنات التقليدية للإقتصاد الاجتماعي التضامني من جمعيات/منظمات غير حكومية تعاونيات وصناديق تعاضد، ضمن الالتزام بمبادئه الأساسية ومع زيادة خصوصياتها وميزاتها.
علما أنّ الميزات التي يستند اليها الاقتصاد الاجتماعي التضامني التكافلي هي:
– أولاً: حرص واهتمام الاقتصاد الاجتماعي بمجالات خارجة عن العناصر الاقتصادية المباشرة (البيئة، الصحة، العدالة الاجتماعية…)
– ثانياً: رفض الفردية التنافسية التي يتّسم بها المجتمع الرأسمالي.
– ثالثاً: إدارة ذاتية لمكوّنات ومؤسّسات الاقتصاد الاجتماعي وانخراطها في المجالات الإنتاجية الأكثر ضعفاً وتهميشاً.
– رابعاً: المساهمة في دمج الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة أو الأكثر تهميشاً في الدورة الاقتصادية الاجتماعية الشاملة.
– خامساً: العدالة والمساواة بين الأفراد ضمن المجموعات كما بين المستهدفين في المشاريع والمستفيدين منها.
– سادساً: الحرية الفردية ولو ضمن روح التعاضد والتكامل في المؤسسات وبين المجموعات.
سابعاً: حرية الانتساب والانسحاب دون قيود.
ثامناً: الحوكمة الجيدة والشفافة.
تاسعاً: جعل غاية النشاط خدمة الإنسان وليس الربح الذي لا يمنّ توزيعه بل اعادة استثماره للغايات الاجتماعية نفسها.
عاشراً: الديمقراطية في اتّخاذ القرارات على اعتبار صوت لكل فرد وليس وفق قيمة الأسهم بين الأفراد.
السمات الأساسية المباشرة للريادة الاجتماعية فهي:
أولاً: تفكير غير تقليدي: تعبر عن محاولة إحداث تحوّل ثوري لمواجهة التحديات الاجتماعية.
ثانياً: تقديم حلول مستدامة: ينبغي أن تنطوي الريادة الاجتماعية على إستراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة، وتقديم حلول دائمة لمشكلات متأصّلة في المجتمع، ولا تكون مجرد حلول وقتية أو ذات أثر هامشي محدود.
ثالثاً: تحقيق الأثر الاجتماعي الإيجابي: تستلزم الريادة الاجتماعية إحداث أثر إجتماعي ملحوظ للمجتمعات التي عانت طويلاً من التهميش والحرمان من قبل الجهات الفاعلة ومؤسسات الدولة، وبالتالي يمكن قياس هذا الأثر بمقارنة حال هذا المجتمع قبل ظهور حلول مبدعة لمشكلاته المستعصية بما بعدها.
وتبقى ضرورة التمييز من جهة بين مؤسسات الريادة الاجتماعية والجمعيات من منطلق أنّ الأولى يمكنها الاستحصال على قروض مصرفية لتمويل إستثماراتها وليس على هبات، في حين أنّ الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لا يمكنها الحصول على قروض بل على هبات وتمويل مباشر لمشاريعها ودعم من الدولة ومنظمات دولية بالاضافة الى مساهمات الأعضاء.
ويتميّز الابتكار الاجتماعي بالاستجابة لحالة اجتماعية تُعتبر غير مرضية. يعتقد الاقتصاد الاجتماعي أنه لا يمكن تحقيق هذه الحلول إلّا من خلال العمل الجماعي والتغيير المؤسّسي، بينما تدعم روح المبادرة الاجتماعية بشكل عام فكرة أنّ الأفراد – رجال الأعمال – يوفرون شرارة تسمح بحلّ المشكلات الاجتماعية.
ويتفّق الجميع على شرطين واضحين. يقوم الأوّل على أنّ الهدف الاجتماعي يجب أن يكون هدف شركة الريادة الاجتماعية، والثاني على أنّ نموذج عمل الشركة يجب أن يحقق لها الاستقلالية المالية.
وبالتالي، يقوم التعريف على توظيف الأدوات الريادية والتفكير الريادي في خدمة قضيّة اجتماعية (أو بيئيّة)، وذلك بضمان استدامة النشاط أي ضمان أثره.
ولأنّ هذه النوعية من المشاريع تحتاج للدعم والتشجيع، خصوصاً المشاريع المبتدئة أو الناشة منها؛ يبقى السؤال متى يتبلور الإطار التنظيمي الضروري لدعم وتحفيز هذه المبادرات لا سيما في ظلّ صعوبة القطاعين التقليديّين العام والخاص في الاستجابة وحيدَين الى الحاجات التنموية للمجتمع؟
الجمهورية