كثيرون غابوا عنّا بالجسد ولكن بقيت روحهم معلّقة في أرجاء بيوتنا وذكراهم تحيي قلوبنا المشتاقة إلى نظرة منهم فتنعش سكوننا، وإلى غمرة ينبض لها هذا الجوف فرحًا وشوقًا، وإلى كلمة تبلسم جراحنا ولمسة تذكّرنا بحنان من رحلوا. نشتاق نعم، ولكن نعيش على رجاء أنّ من انتقلوا إلى السّماء قاموا لأنّ ربّ الحياة حضنهم واستقبلهم في ملكوته. ومن أجل هؤلاء بالذّات خصّصت الكنيسة الثّاني من ت2/ نوفمبر يومًا لنتذكّرهم فيه.
تعود جذور هذا الاحتفال إلى عام 998 ميلاديًّا حين خصّص البابا بونيفاسيوس هذا التّاريخ لتذكار الموتى. ومذّاك ترفع الكنيسة، شرقًا وغربًا، الصّلوات، وتقدّم القرابين لأجل راحة الأنفس. ويزور المؤمنون مدافن أقربائهم، في زيارات تقليديّة، فيزيّنونها بالورود مضيئين الشّموع مستمدّين التّعزية وملتمسين الرّجاء.
وفي هذا الفعل أيضًا، يقول البابا بنديكتوس السّادس عشر إنّ الإنسان يحاول أن يعطي الميت نوعًا من الحياة الثّانية، فـ”أمام هذا السّرّ، وإن بصورة غير واعية أحيانًا، نبحث عن شيء ما يدعونا إلى الرّجاء، عن علامة تجلب لنا التّعزية، فتفتح أفقًا أمامنا وتقدّم لنا المستقبل. طريق الموت هو في الحقيقة طريق الرّجاء، وزيارة مقابرنا وقراءة الكتابات على القبور هي رحلة تتّسم بالرّجاء في الأبديّة”.
وفي هذا اليوم، تتجلّى شركة القدّيسين، فرباط قويّ يبقى حيًّا يجمع الحيّ بالميت لأنّ المسيح انتصر على الموت فاتحًا لنا أبواب الأبديّة، وفيه دعوة إلى عدم الخوف لأنّ من سبقنا إلى الموت واختبره، ونقصد يسوع، سيرعانا الآن وفي ساعة موتنا أيضًا؛ ودعوة إلى تجديد الإيمان بالحياة الأبديّة والشّهادة لهذا الرّجاء في العالم.
فيا ربّ، في تذكار الموتى هذا، أعطنا أن نفهم أنّ الموت ربح لنا وأنّ في المسيح وحده الحياة. أشرق نورك الأزليّ على الرّاقدين على رجاء القيامة، واعطهم الرّاحة الدّائمة فيدخلون في سلام أبديّ، آمين!
نور نيوز