ألقى البابا فرنسيس عظة أمام زهاء مائة ألف شخص استهلها قائلا أمام هذا المذبح المكرس لمريم، ملكة السلام، من على هذا الجبل الذي نرى منه المدينة والبحر وراءها، نحن جزء من هذا الجمع الغفير الذي جاء من موريشيوس وجزر أخرى في منطقة المحيط الهندي للإصغاء إلى يسوع يعلن التطويبات. كلمة الحياة نفسها، كما منذ ألفي سنة مضت، لها القوة نفسها والنار نفسها التي تشعل حتى أكثر القلوب برودة. وأضاف الأب الأقدس أن التطويبات هي كبطاقة هوية المسيحي، وهكذا إذا سأل أحد منا نفسه ماذا عليّ أن أفعل لأكون مسيحيًا صالحًا؟ يأتي الجواب بسيطا: من الضروري أن يفعل كل بحسب طريقته ما يقوله يسوع في عظة التطويبات. ففي التطويبات يُرسم وجه المعلّم الذي نحن مدعوون لنعكسه في حياتنا اليومية (الإرشاد الرسولي، افرحوا وابتهجوا، 63)، كما فعل الطوباوي جاك ديزيريه لافال (1803 – 1864) المكرَّم كثيرًا في هذه الأراضي. وتابع البابا فرنسيس أن محبة المسيح والفقراء طبعت حياة هذا الطوباوي. لقد عرف أن يجمع المؤمنين ونشّأهم للقيام بالرسالة وتأسيس جماعات مسيحية صغيرة في الأحياء والمدن والقرى المجاورة، جماعات صغيرة كثير من بينها هي أصل الرعايا الحالية. ومن خلال ديناميته الإرسالية ومحبته، أضاف البابا فرنسيس، أعطى الأب لافال للكنيسة في موريشيوس شبابًا جديدًا، نفَسًا جديدا نحن مدعوون اليوم لمواصلته في الإطار الحالي.
تابع البابا فرنسيس مشددًا على أهمية الحفاظ على هذا الاندفاع الإرسالي الذي لديه وجه شاب، كما قال في عظته، مشيرًا إلى أن الشباب، ومن خلال حيويتهم وتفانيهم، يستطيعون أن يعطوا لهذا الاندفاع الجمال والنضارة حين يحفّزون الجماعة المسيحية على التجدد، ويدعوننا إلى الانطلاق نحو أفق جديدة. وأضاف أن ذلك ليس دائمًا بأمر سهل لأنه يتطلب أن نمنحهم مكانًا في كنف جماعتنا ومجتمعنا. وتابع البابا فرنسيس عظته مشيرا إلى أنه على الرغم من النمو الاقتصادي الذي عرفه هذا البلد في العقود الأخيرة، فإن الشباب هم أكثر من يعاني، وسلط الضوء في هذا الصدد على البطالة التي لا تسبّب فقط مستقبلاً غير أكيد، كما قال الأب الأقدس، إنما تنزع منهم أيضًا إمكانية الشعور بأنهم روّاد تاريخهم المشترك. مستقبل غير أكيد يدفعهم إلى حياة على الهامش، ويتركهم ضعفاء بدون نقاط مرجعية تقريبًا، أمام أشكال العبودية الجديدة في هذا القرن الحادي والعشرين. وتابع البابا فرنسيس قائلا إن شبابنا هم الرسالة الأولى، وعلينا أن ندعوهم لإيجاد سعادتهم في يسوع، من خلال إعطائهم مكانًا وتعلُّم لغتهم والإصغاء إلى قصصهم والعيش إلى جانبهم وجعلْهم يشعرون بأنهم مبارَكون من الله. لا نسمحنّ بأن يُسلب الوجه الشاب للكنيسة والمجتمع!
في عظته مترئسا القداس الإلهي، قال البابا فرنسيس عند أقدام هذا الجبل الذي أود أن يكون اليوم جبل التطويبات، علينا نحن أيضًا إستعادة دعوة أن نكون فرحين. وحدهم المسيحيون الفرحون يحرّكون الرغبة في اتباع هذه الدرب؛ فكلمة “سعيد” أو “طوباوي” تصبح مرادفًا لكلمة “قديس”، لأنها تشير إلى أن الشخص الأمين لله والذي يعيش كلمته، يبلغ في بذل الذات، السعادة الحقيقية، مذكّرا هكذا بما كتبه في الإرشاد الرسولي “افرحوا وابتهجوا” حول الدعوة إلى القداسة في العالم المعاصر. وأضاف البابا فرنسيس أنه إذا كان هناك من شيء يجب أن يشغلنا ويقلق ضميرنا هو أن العديد من أخوتنا يعيشون من دون قوة ونور وتعزية صداقة يسوع المسيح، وبدون أفق معنى وحياة. وأشار إلى أنه عندما يرى شاب مشروع حياة مسيحية محقّق بفرح، فذلك يحمّسه ويشجّعه ويشعر برغبةٍ يمكن أن يعبّر عنها بهذا الشكل: أريدُ أن أصعد إلى جبل التطويبات، أريد أن ألتقي نظرة يسوع وأن يقول لي ما هو طريق سعادتي. وتابع البابا فرنسيس قائلا: أيها الأخوة والأخوات، لنصلّ من أجل جماعاتنا كيما وفي الشهادة لفرح الحياة المسيحية، ترى نمو الدعوة إلى القداسة في مختلف أشكال الحياة التي يقدّمها لنا الروح القدس. ولا ننسينّ أن الذي يدعو بقوة ويبني الكنيسة هو الروح القدس. وختم البابا فرنسيس عظته مترئسا القداس الإلهي داعيًا إلى أن نطلب من مريم العذراء عطية الانفتاح على الروح القدس، والفرح المتواصل الذي لا يزول، ويجعلنا نختبر دائما ونؤكد أن “القدير صنع العظائم، واسمه قدوس”.
في نهاية القداس الإلهي، وجه البابا فرنسيس تحية حارة إلى جميع الحاضرين، وشكر بنوع خاص الكاردينال موريس بيات على كلماته والعمل لتحضير هذه الزيارة، وأعرب أيضًا عن امتنانه لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وباقي سلطات البلاد. تحية شكر وجهها البابا فرنسيس أيضًا إلى الكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات، كما وحيّا الأب الأقدس المؤمنين القادمين من جزر سيشيل وريونيون والقمر وشاغوس وأغاليغا ورودريغيز وموريشيوس، وأكد قربه منهم بالصلاة.
أخبار الفاتيكان