“المسيح قام، يا فرحي”. هذه العبارة كانت لا تفارق القدّيس سيرافيم ساروفسكي. كانت تحيّته الوحيدة للناس الذين يلتقيهم صبحًا ومساءً.
المسيح قام، يا فرحي. فمن أين أتى فرح سيرافيم؟ من الرجاء بأنّ قيامة المسيح لا قيمة لها إنْ لم تكن غايتها قيامة كلّ البشر. لقد غمره الفرح لأنّه أدرك أنّه قائمٌ، بلا ريب، ليس في اليوم الأخير فحسب، بل منذ الآن. “أنا القيامة والحياة، مَن آمن بي، وإنْ مات، يحيا، وكلّ مَن يحيا ويؤمن بي لن يموت” (يوحنّا 11، 25-26).
“المسيح قام، يا فرحي” هي سلاحنا الوحيد في وجه الظلاميّين. “هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أمّا نحن فإنّما ندعو باسم الربّ إلهنا. هم تعرقلوا وسقطوا، ونحن قمنا ونهضنا” (المزمور 19). نعم، هؤلاء بالطائرات والدبّابات والصواريخ والبنادق والسواطير والسكاكين… ونحن سنقوم وننهض.
لم ندرِ ما نوع السلاح الذي قتل به قايين أخاه هابيل. أيًّا يكن نوعه، كان بلا فاعليّة. فدم هابيل ظلّ يصرخ من الأرض. دمه ظلّ حيًّا يصرخ. ومنذ هابيل ما زالت تراق الدماء. لكنّ القتلة والمقتولين كلّهم ماتوا. الموت عادل لا يهاب أحدًا من البشر. حتّى الذي يرتوي من الموت سيأكله الموت.
غير أنّ ربّ الحياة لن يدع قدّيسيه يرون فسادًا. الحياة لا يمكن أن تتساكن مع الموت. مَن أقام في الله منذ اليوم لن يغادره الله لحظة الممات. سيحييه. لن يتركه في الجحيم، بل موت البارّ هو انتقال من الجحيم الأرضيّ إلى الفرح الأبديّ.
لا يعني هذا الكلام أنّنا ندعو إلى تشهّي الموت. هذه خطيئة. علينا أن نحبّ الحياة، ونعمل من أجل سيادة السلام والمحبّة والوداعة واللطف. لكنّ عدم ذكر الموت هو بدء الانزلاق إلى الخطيئة والأثم. أن يظنّ الإنسان نفسه خالدًا على هذه الأرض هو الشرك بعينه.
“المسيح قام، يا فرحي”، نقول لكلّ المعذَّبين في الأرض، وبخاصّة للسوريّين كافّة، وإنْ كان وقع هذه العبارة في آذانهم ثقيلاً. فماذا يعني أن نقول هذه العبارة لمن يريد الخلاص من الشرّ المحيط به من كلّ حدب وصوب؟ كيف نقولها لـمَن يريد خلاصًا قريبًا، رغيف خبز لأولاده، سقفًا يؤويه وعائلته؟ في الحقيقة، لا يمكن أن نقول هذه العبارة إذا لم نحبّهم ونكرمهم ونسعى إلى تلبية حاجيّاتهم، أي أن نحمل صليبهم، صليب الفرح المؤدّي إلى القيامة.
السوريّون مدعوّون إلى التمسّك بالرجاء. فاليأس موت أشدّ مرارة من الموت الجسديّ. لا يغيظ المعتدي أمرٌ أكثر من أن يرى المعتدى عليه شجاعًا، متعلّقًا بمبادئه، متمسّكًا بالرجاء، غير مذلول. ليس ما يغيظه أكثر من يراه قائمًا من بين الأموات قبل أن يموت.
“المسيح قام، يا فرحي”. تحيّة سيرافيم ساروفسكي هي، بلا ريب، تحيّة المطرانين الحلبيّين بولس يازجي ويوحنّا إبراهيم. هما يهتفان، حيثما هما، مع القديس بولس الرسول، لعموم السوريّين: “افرحوا في الربّ كلّ حين، ونقول أيضًا افرحوا، وليظهر حلمكم لجميع الناس فإنّ الربّ قريب” (فيلبي 4، 4).
لن ينزع منّا أحد هذا الفرح. أكنّا في هذا العالم أم في العالم الآخر، نحن سمتنا الفرح. ومن سيمائهم تعرفونهم. المسيح قام، يا فرحي.