يبدو أنّ الخشية من زوال الصحافة المكتوبة أمام سطوة الإعلام الجديد لم تكن في مكانها. فالأجدر بالأكاديميين والإعلاميين اليوم، أن يتوقعوا زوال الصحافيين أنفسهم! فقبل أيّام، استعانت صحيفة «لونس أنجلس تايمز» بـ«إنسان آلي»، لصياغة خبر عن هزّة أرضيّة، في إطار تقليد بدأ يترسّخ على موقعها الإلكتروني.
صباح 17 آذار الحالي، نشر موقع الصحيفة هذا الخبر: «أفادت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، عن وقوع هزة أرضية بحجم 2,7 درجات على بعد أربعة أميال من ويستوود. الزلزال وقع عند السابعة والدقيقة الثالثة والعشرين على عمق 4.3 أميال». ما سبق، لم يكتبه صحافي، بل نشره نظام آلي مبرمج، بعد دقائق على الزلزال.
كيف حصل ذلك؟ وكيف استحوذ الروبوت على المعلومة لنشرها؟ تمّ ذلك بفضل نظام ابتكره الصحافي والمُبرمِج في «لوس أنجلوس تايمز» كين شوينكي، مهمّته كتابة أخبار عن أحداثٍ معيّنة، مثل الزلازل، وبعض الجرائم، ونتائج المباريات الرياضيّة. وفي حالة خبر الزلزال، يدخل شوينكي معلومات إلى النظام، تفيد بأنّ حدوث هزَّة أرضية في كاليفورنيا بقوّة معيّنة على مقياس ريختر، يصلح ليكون خبراً. عندئذٍ، يصيغ النظام الآلي الخبر مرفقاً بخريطة لمكان الزلزال تحت عنوان كبير، ثمّ ينشره تلقائياً على موقع الصحيفة.
الخبر جاء مذيلاً بالعبارة التالية: «تمّت صياغة هذا الخبر بواسطة نظام حسابي أنشأه الكاتب». في حديثٍ صحافي، قال شوينكي: «لا يتطلَّب الأمر سوى ثلاث دقائق، لنشر الخبر آلياً على الموقع الالكتروني للصحف». يقول المبرمج في «لوس أنجلوس تايمز» بن ولش، إنّ الهدف من النظام المبتكر، ليس استبدال الإنسان، بل مساعدته في كتابة التقارير. ويشرح ولش في حديثٍ لموقع «جورناليزم» طريقة عمل النظام قائلاً: «يمكن إدخال رموز على البرنامج، تطرح الأسئلة التي قد يطرحها الصحافي أمام البيانات الشبيهة (الحدث)». في حالة الهزّة الأرضية مثلاً، سيطرح الصحافي حتماً الأسئلة الآتية: ماذا حصل؟ أين حصلت الهزة؟ كم هي قوتها؟ كم هو عمقها؟ عندها، سيأخذ النظام معلوماته من البيانات، ويصيغها على شكل قصة خبرية.
من جهته، يؤكّد كين شوينكي أن برنامجه لا يحلّ مكان الصحافي، لكنّه يساعده على جمع ونشر المعلومات التي لا تحتاج إلى تدقيق، واصفاً النظام بأنّه «تكميلي». ما يدعم كلام شوينكي أنّه في حالة بعض الجرائم، يكتفي الروبوت بصياغة الترويسة أو الفقرة التي تتضمَّن إجابات على الأسئلة الخبرية الخمسة (من؟ متى؟ أين؟ ماذا؟ لماذا؟)، قبل أن يتدخّل «البشري» للتوسّع في المعطيات.
كتابة الخبر الصحافي بواسطة روبوت، لم يقتصر على «لوس أنجلس تايمز»، إذ سبقتها في ذلك صحيفة «شيكاغو تريبيون» التي طوَّرت برنامج «باندا» الخاص بجمع المعلومات وتنبيه العاملين في غرف الأخبار، حول أخبار معينة. كذلك فعلت مجلة «فوربز» التي استخدمت برنامج «ناراتيف ساينس» في الكتابة الآلية للأخبار.
عددٌ من الخبراء علّق على هذه الخطوة «الثورية» في عالم الصحافة والإعلام، ومن بينهم مديرة مركز «تاو» الصحافة الرقميّة في جامعة كولومبيا ـ والمحرِّرة السابقة في صحيفة «ذا غارديان» ايميلي بيل. تساءلت بيل ما إذا كان استخدام الروبوت في الصحافة هو نهاية لـ«صناعة الأخبار». بمعنى آخر، هل سينتهي عمل المحرّرين في وسائل الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، لحظة اعتماد مؤسساتهم على النظام الآلي؟ قد تكون الإجابة صعبة في الوقت الراهن، خصوصاً أن التحديات والإشكاليات التي تواجه مهنة الصحافة باتت كثيرة. غير أن الجديد هذه المرة يكمن في الأسئلة عن انتهاء دور الصحافي بذاته، بعدما كانت تقتصر على نهاية أو تغيّر دور وسائل الإعلام التقليديَّة فقط.
جوي سليم/ السفير