إنّ فكرة ما هو مقدّس يُساء استخدامها في الغرب. وفي بلدان ترغب في أن تكون علمانيّة، لم يعد هناك من صلة بما هو مقدّس. تلك هي رؤية الكاردينال روبرت سارا التي نشرها موقع catholicherald.co.uk الإلكتروني، بعد أن أوردها المسؤول عن الليتورجيا في الفاتيكان في كتاب له عنوانه “قوّة الصمت”.
وكما عبّر البابا بندكتس السادس عشر عن الأمر عينه خلال عظته لعيد الجسد في حزيران 2012، “بفضل المسيح، إنّ المقدّس أصدق وأقوى وأكثر تطلّباً مع الوصايا العشر”. وهذه مسألة جادّة بما أنّها تتطرّق إلى علاقتنا مع الله. بوجه عظمته وجماله، كيف يمكن للإنسان ألّا يشعر بخوف مقدّس ومُفرح في الوقت عينه؟ فإن لم يجعلنا ما هو ألوهيّ نرتجف، هذا يعني أنّ حتّى طبيعتنا البشريّة فسدت.
ويضيف الكاردينال سارا أنّه يبقى مذهولاً أمام ضُعف ما يُقال ضمن محاولة التقليل من قيمة ما هو مقدّس، خاصّة وأنّ أبسط المؤمنين يعرفون أنّ الحقائق المقدّسة هي أثمن الكنوز، وأنّه يمكنهم الدخول في مشاركة مع الله إن كانوا يعرفون من الداخل والخارج معنى ما هو مقدّس، كما وأنّه من التبجّح اعتقاد أنّه يمكنهم التوصّل إلى الله بدون التخلّص من التصرّف الانتهاكي، والوثنيّة البعيدة عن التديّن.
وأكّد الكاردينال إلى أنّه لا يتردّد عادة بالقول إنّ من يرغبون في البقاء بعيدين عمّا هو مقدّس يؤذون الإنسانيّة عبر إبعادها عن حبّ الله، خاصّة وأنّ هذا الإله لا يستطيع أن يوصل لنا صداقته إلّا في حال كنّا منفتحين عليه بطريقة حقيقية.
وبوجه المستقبل، على الإنسان أن يعترف بصِغره وبفقره وبتفاهته. فبدون التواضع الذي يظهر عبر السجود للقربان الأقدس والطقوس المقدّسة التي تستلزم الصمت أمام سرّ إلهنا، لا صداقة ممكنة مع الله. من هنا، نقول إنّ الصمت يمثّل هذه الحلقة بطرق واضحة. لذا على الصمت المسيحي أن يصبح صمتاً مقدّساً، كي يتوصّل لأن يكون صمت المشاركة.
أمام عظمة الله، تنفد منّا الكلمات. فمن يتجرّأ على كسر هذا الصمت عندما يواجه ذاك العظيم؟ عندما أظهر الله مجده لأشعيا، صرخ النبيّ “قدوس قدوس قدوس”. ثمّ قال “أنا تائه”.
يعرف المؤمنون من جميع الأديان والحضارات أننا نتوه أمام الله، وأنّ كلماتنا تتجرّد من كلّ معنى أمام عظمته. إلّا أنّ الصمت المقدّس يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. فالله لا يُنزل الصمت على الناس كعقبة، بل يصف لنا هذا الصمت المقدّس ليتواصل معنا بشكل أفضل. وكما ذكّرنا القديس البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته الرسولية الصادرة عام 1995، “على المؤمنين وغير المؤمنين أن يتعلّموا صمتاً يسمح للآخر بالتكلّم متى شاء وكيفما شاء”… فرفض الصمت المرافق لتقدير ما هو مقدّس هو رفض لحبّ الله.
إنّ الصمت المقدّس هو ردّة الفعل البشرية والمسيحية الوحيدة حيال ظهور الله في حياتنا. ويبدو أنّ الله بنفسه هو من يعلّمنا أنّه يتوقّع منّا هذا الصمت، وتلك العبادة المقدّسة. وكما سأل يشوع بن سراخ: “مهما بذلتم من جهد في تمجيده، فهو يبقى فوق كلّ تمجيد، ومهما بالغتم في إظهار عظمته، وتعبتم في ذلك، فلن تصلوا إلى حدّه. هل رآه أحد حتّى يُخبر عنه؟ أم هل يقدر أحد أن يفيه حقّه من المديح؟” (سي 43 : 30 – 31)
بوجود الله، على المديح فقط أن ينبع من قلوبنا، وعلى جميع مظاهر “العرض” الأخرى أن تختفي. “أمّا الرب فهو في هيكله المقدّس، فاسكتوا أمام وجهه يا جميع أهل الأرض” (حب 2 : 20)
في تلك اللحظة فقط، وحده الله يمكنه أن يأخذ المبادرة وينضمّ إلينا، لأنّه هو أوّل من يحبّ دائماً. فيصبح صمتنا صمت الفرح والخصوصية والمشاركة، الصمت الذي يعلّمنا قاعدة الحياة الروحيّة القائلة بإنّ المسافة المناسبة هي ضرورة للمشاركة، وإنّه على البشريّة أن تبلغ الحبّ عبر السجود المقدّس. “لا يمكن بلوغ الحكمة إلّا بالصمت”. (سي 9 : 17)
زينيت