على مدخل مكتب الضمان الاجتماعي في طرابلس، يكثر بائعو الكعك والى جانبهم محال تشتهر بتصوير المستندات التي يطلبها موظفو مكتب الضمان من المضمونين، “بأسعار معقولة”، وطبعاً مع توصية من الموظف بالمحل المناسب.
في قاعة مركز الضمان، الصغيرة الحجم، عشرات من المواطنين ينتظرون ان “تفرج” عليهم ويأتي دورهم ليقدموا اوراقهم و”بعدين الله بيعلم اذا منبقى عايشين وبتخلص المعاملة ومنقبض او لا” يقول ابو علي سائق “تاكسي”، حيث أغلب الموجودين هنا هم من سائقي الاجرة، الذين تقدموا في السن ولا معيل لهم الا ما يجنونه طيلة النهار من عملهم المضني.
على الجانب الآخر من القاعة، وبالتحديد عند شباك تسلّم “الشيكات”، كانت ريان (اسم مستعار) تقف مذهولة لما جرى معها، فهي توجهت بتاريخ 29-4-2013 الى مكتب الضمان الاجتماعي في طرابلس، انتظرت حوالى الساعة حتى وصل دورها، في قاعة صغيرة تضج بالعشرات من المواطنين من مختلف الاعمار، أتوا جميعاً لتقديم “وصفات الادوية”، بهدف الحصول على بعض من ثمنها في مهلة زمنية قصيرة، قد لا تتعدى الشهر، او هكذا كانوا يتوقعون!.
وقفت ريان امام نافذة الموظف المولج تسلّم الادوية، وقبل ان تبدأ بالكلام قال لها: “بسرعة شو في عندك؟..لوحدي بدي خلص كل الموجودين”.
لم تفهم ريان ما قصده الموظف، فهي لا تعلم ادنى شيء عن هيكلية الضمان وموظفيه، وما اذا كان عدد الموظفين متوازناً مع عدد المضمونين أم لا. وسريعاً أخرجت من كيس تحمله أكثر من خمسين كرتونة دواء، فهي كانت تعاني منذ مدة ليست طويلة من مرض عضال شفيت منه بمعجزة، كما قالت للـ”النهار”، ما تطلب منها تناول كميات كبيرة من الادوية، حتى لا تصل الى مرحلة العلاج الكيميائي.
خمسون “كرتونة دواء” بـ15 وصفة طبية، تلقاها الموظف بتأفف كبير، وريان تعاتبه على طريقة تعاطيه معها، رغم انه “لم يخرج اطلاقاً عن الطريق”، لكن كثرة انشغاله تدفعه الى الطلب من المضمونين التعامل معه بسرعة أكبر حتى يتمكن من خدمتهم بطريقة أسرع.
أنجز الموظف معاملة ريان واحالها على زميل له يعمل على الكومبيوتر، الذي بدوره سلم المضمونة ورقة صغيرة سجل فيها التاريخ الذي يمكنها فيه قبض فروق الضمان عن الادوية، وكانت الكارثة، عندما قرأت ريان أن تاريخ تمكنها من ذلك هو في 29-4-2014 اي بعد سنة من تقديم المعاملة. ارتبكت ريان وسألته متعجبة: “بعد سنة… معقول؟!، فأجابها: “الحق مش عليي الحق على الدولة”.
لكن قضية ريان لم تنتهِ عند هذا الحد، فتوجهت في الموعد المحدد لها، وفقاً للايصال الذي تحمله من الضمان، والذي يخولها الحصول على شيك بالمبلغ، الى مكتب الضمان وابرزت الايصال فما كان من الموظف الا ان ضحك قائلاً: “ههههه غيبيلك شي اربع شهور وارجعي، المعاملة ما خلصت، ما في عنا موظفين”.
150 معاملة يومياً
قصة ريان هذه تتكرر في شكل يومي مع العديد من المضمونين طالما ان عدد الموظفين الفعليين في الفرع لا يتناسب اطلاقاً مع عدد المضمونين، اذ ان مكتب ضمان طرابلس الذي يقصده نحو 36000 مضمون من طرابلس والضنية والمنية لا يوجد فيه الا 23 موظفاً، بعدما تم نقل عدد من الموظفين الى مراكز اخرى، وخروج البعض الآخر عبر التقاعد، مما احدث فجوة كبيرة بين العدد القانوني الذي يجب توافره في مركز طرابلس وهو 120 موظفاً والعدد الحالي وهو 23 فقط، الامر الذي يؤخر معاملات المضمونين لفترة طويلة، علماً ان “الموظفين في فرع طرابلس هم من انشط الموظفين في فروع الضمان اذ انهم يستقبلون كل يوم نحو 150 معاملة”، وفقا لما قاله مصدر متابع لهذا الملف للـ”النهار”.
ووفق المصدر عينه فإن ما يفاقم المشكلة ان منطقتي المنية والضنية لا تزالان ملحقتين بمكتب طرابلس، وهذا ما يزيد الاعباء على الموظفين فيه، “فيجب اولاً استحداث مكتب للضمان الاجتماعي في هاتين المنطقتين للتخفيف الضغط عن مكتب طرابلس، وثانياً يجب ملء الشغور في الدوائر الشاغرة داخل الفرع، علماً ان امتحانات جرت منذ العام 2012 من طريق مجلس الخدمة المدنية لهذا الغرض على مستوى كل لبنان، لكن حتى الآن لا جديد بخصوص فرع الضمان الاجتماعي في مدينة طرابلس، حيث نجح لوظيفة رئيس دائرة – ملاك 34 شخصاً وفقاً للقرار الرقم 46-2 الصادر بتاريخ 25-1-2013، ونجح ايضاً 310 أشخاص في وظيفة الكاتب وفقاً للقرار الرقم 938/2تاريخ 28-12-2012″، متسائلاً: “ما المانع من توظيف الناجحين في فرع طرابلس؟ الا يكفينا ما نعانيه في هذه المدينة؟ الا نستحق الانصاف من دولتنا؟”.
مصطفى العويك / طرابلس / النهار