في كاراغاندا في كازاخستان تّمّ تطويب لاديسلاو بوكوفينسكي كاهن رعيّة اضطُهِد بسبب إيمانه. كم تألّم هذا الرجل! لقد أظهر في حياته على الدوام محبّة كبيرة للضعفاء والمعوزين وشهادته تَظهَر لنا كمُلخَّص لأعمال الرحمة الروحيّة والجسديّة” بهذه الكلمات ذكّر البابا فرنسيس أمس الأحد بعد تلاوته صلاة التبشير الملائكي بمثال الأب لاديسلاو بوكوفينسكي وشهادته: مبشّر أمضى عشر سنوات من حياته في مخيمات الاعتقال السوفياتيّة يبشّر بالإنجيل ويشهد له بالقرب من المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة. وبعد أن التقاه القديس يوحنا بولس الثاني قال عنه إنه شاهد بطولي للإيمان ومدافع عن المُضطهدين. وقد شارك في احتفال التطويب ممثلاً الأب الأقدس الكاردينال أنجلو أماتو عميد مجمع دعاوى القديسين والذي حدثنا عن حياة رسول الإنجيل هذا.
قال الكاردينال أنجلو أماتو ولد الطوباوي لاديسلاو بوكوفينسكي عام 1904 في بولندا الشرقيّة التي تُعرف اليوم بأوكرانيا واضطُرّ للهرب بسبب الاجتياح الروسي. درس العلوم السياسيّة أولاً ومن ثم اللاهوت في جامعة كراكوفيا واختبر مرضًا مؤلمًا ساهم في تعميق إيمانه. بعد سيامته الكهنوتيّة عام 1931 وفي سنوات الحرب العالميّة الثانية كرّس خدمته الراعويّة للمرضى والمعوزين لكنّ هذا الأمر سبب له العديد من المشاكل.
تابع عميد مجمع دعاوى القديسين يقول تمّ اتهامه زورًا وسجن وأرسل مرات عديدة إلى مخيمات الاعتقال السوفياتيّة حيث أمضى ثلاثة عشر عامًا وحكم عليه بالأعمال الشاقة. في أوقات الآلام الجسديّة والأخلاقية كان الأب لاديسلاو بوكوفينسكي يجد ميناه الأمين في الإيمان بالله وعنايته، إذ قد تميّز بإيمان صلب وثابت كإيمان ابراهيم. وبالتالي أصبح مخيّم الاعتقال بالنسبة له المنبر الذي كان يُربّي من خلاله على محبّة الله والمصالحة مع القريب وحتى في أكثر الخبرات المهينة للكائن البشري لم ينسَ أبدًا رسالته الكهنوتيّة، فكان يحتفل بالقداس الإلهي في الصباح الباكر في زنزانته قبل أن يستيقظ الباقون، وبعد عشر ساعات من العمل الشاق كان يزور المرضى ويمنحهم الأسرار ويقدّم بعض المحاضرات الروحيّة؛ ومن ثم كان يصلّي كثيرًا لاسيما إلى العذراء مريم – إذ كان يحمل معه على الدوام تمثال صغيرًا لها – وخاصة صلاة المسبحة الورديّة.
في أحد الأيام، تابع الكاردينال أنجلو أماتو يقول، عثر عليه أحد الجنود الملحدين فيما كان يُصلّي فزجره الجندي قائلاً: “ماذا تفعل ألست تعلم أن الصلاة ممنوعة؟” فأجابه: “لا تقلق! من اليوم فصاعدًا سأصلي بطريقة لن تلاحظها أبدًا!” ويخبر الأب بوكوفينسكي أن هذا الحدث قد جعله يفهم أن الله يُظهر عنايته أيضًا من خلال الأشخاص الملحدين. لذلك، ولكي يحافظ على ما كان يُردده حيًّا أن “الإيمان يكسر الجدران”، عندما نُقل عام 1955 إلى كازاخستان في نهاية سجنه وسُمح له بأن يعود على وطنه رفض وطلب أن يبقى في كازاخستان ليساعد ويعزي المؤمنين، فكان رجل الرجاء وسط شعب مُهان ومُضطهد لأنّه كان مقتنعًا بولادة الكنيسة مجددًا في الشرق ولاسيما بعودة روسيا إلى المسيح.
أضاف عميد مجمع دعاوى القديسين يقول في كاراغاندا حيث أصبح يقيم بعد أن نال الجنسيّة الروسيّة عمل كحارس في ورشة بناء وتابع خدمته الكهنوتيّة في الخفاء، وفي أحد الأيام فيما كان يحتفل بالذبيحة الإلهيّة وصلت دوريّة عسكريّة وطلبت منه أن يوقف الذبيحة الإلهيّة، وبعد أن خرج الجنود قال للمؤمنين: “إن كان بينكم من يريد الخروج فليخرج، أما أنا فسأحتفل بالذبيحة الإلهيّة”، فلم يخرج أحد.
وختم الكاردينال أنجلو أماتو عميد مجمع دعاوى القديسين حديثه بالقول لقد علّم الأب لاديسلاو بوكوفينسكي من خلال مثاله واليوم أيضًا يترك لنا رسالة فرح وأخوّة ورجاء؛ القديسون يدعوننا دائمًا للتحلّي بالهدوء والثقة بالعناية الإلهيّة، كما يكتب القديس بولس: “لا شيء بوسعه أن يفصلنا عن محبّة الله لنا في ربّنا يسوع المسيح”.
إذاعة الفاتيكان
الوسوم :الطوباوي بوكوفينسكي شاهد في مخيمات الاعتقال السوفياتيّة