مرّت أربع سنوات منذ الإعلان عن قرب إطلاق قناة «العرب» الإخباريّة المملوكة من رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال. وتستعدّ القناة لدخول المنافسة الفعليّة على الفضاء الإخباري العربي، أواخر الشهر المقبل، على أبواب العام 2015. أسئلة كثيرة تطرح حول مشروع القناة الناشئة، خصوصاً عن سبب اختيار البحرين مقرّاً لها، والخطوط العريضة لسياستها التحريريّة المرتقبة، وما إذا كانت ستكون قادرة على منافسة قنوات مثل «العربيّة»، و«الجزيرة»، و«سكاي نيوز عربيّة».
عيّن جمال خاشقجي مديراً لـ«العرب» قبل أربع سنوات، وذلك بعد استقالته من رئاسة تحرير جريدة «الوطن» السعودية. يقول الصحافي السعودي لـ«السفير» إنّ اختيار البحرين مقرّاً للقناة، جاء بعد التداول في خيارات عدّة منها دبي، والدوحة، ورأس الخيمة. «تمّ الاستقرار على البحرين لاعتبارات عدّة، منها أنّ المحطة مهتمة أولاً بالشأن السعودي بالإضافة إلى شؤون الخليج، وهناك جسر يربط ما بين السعودية والبحرين، ما يسهّل عملنا كثيراً. كما حصلنا على كلّ ما نريد من ضمانات لكي نبث بالحريّة التي نريدها»، بحسب تعبيره.
«بلومبرغ العرب»
لم يتمّ إنجاز الإجراءات القانونيّة اللازمة لإطلاق القناة، إلّا في تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام 2013. وقد شهد العام نفسه إنجاز الجزء الأكبر من التحضيرات، لناحية المفاوضات مع حكومة البحرين وبعض الجهات الإعلاميّة العربيّة والعالميّة. وقد وقّعت «العرب» شراكة مع قناة «بلومبرغ» العالميّة لتقديم خدمة إخباريّة اقتصاديّة جديدة من نوعها باللغة العربيّة، وتقارير عن عالم التجارة والأعمال.
ستبثّ القناة على مدار الساعة، «وتقدّم نمطاً جديداً من البرامج الإخبارية المعدّة خصوصاً لتلبية متطلبات الجيل الجديد من مشاهدي الأخبار»، بحسب بيان صادر عنها. وقد استقطبت وجوهاً ذات باع طويل في عالم الإعلام المرئي عربياً، منها ليلى الشيخلي من «الجزيرة»، وطارق العاص من «بي بي سي عربية»، وجاسم العزاوي من «أبو ظبي»، بالإضافة إلى مجموعة من المذيعين الشباب من السعودية والبحرين والأردن وباقي الدول العربية. ستتولّى دانة الصيّاغ إدارة قطاع الأخبار، وهي ساهمت سابقاً في تأسيس «الجزيرة» و«العربيّة». يقول خاشقجي: «نحن متأكّدون أنّ المحتوى هو ما سيشكّل الفرق، إذ أنّنا سنبثّ معظم أخبار الأعمال والأسواق بالتعاون مع «بلومبرغ العرب»، وستتوالى النشرات الإخبارية طيلة اليوم، كما سنعرض برنامجاً حوارياً «من الرياض» تقديم غنام المريخي، وبرنامجي Game changer وRisk Takers اللذين تعرضهما «بلومبرغ»، وبرنامج سفر شبابي يقدّمه عبد الله جمعة، وهو كاتب سعودي يهوى السفر، وبرنامج آخر يهتم بالشباب والأعمال بعنوان «قدوة»، وغيرها من البرامج».
مراعاة الحياد
سؤال المنافسة حاضر بقوّة، إذ يقول خاشقجي إنّ «العرب» ستنافس «كلّ القنوات الإخبارية بما فيها «الجزيرة» و«العربية» بالطبع». فهل ستعتمد على أجندة سياسيّة قريبة من إحدى هاتين القناتين؟ وعلى أيّ جانب ستقف من الاستقطاب السائد على الساحة الإعلاميّة العربيّة اليوم؟ يقول مدير القناة إنّها لن تعرض إلّا ما يساهم «في نفع الناس وإصلاح الأوضاع، وضخّ أفكار إيجابيّة، مع اعتماد الحياد عنواناً لنا». ويضيف: «الجميع يعلم أنّ كلّ محطة لها اتجاه، لكنّ عملنا سينطلق من توفير المعلومات للمشاهدين من دون أن تكون لنا أجندات سياسية». ويضيف: «ولن نمارس الإعلام الحملاتي بل سنوفّر المعلومة حتى لو سبّبت بعض الغضب، لكن من دون المساهمة في صبّ الزيت على النار». لكنّ الشيطان يكمن في التفاصيل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، من ستصف القناة بالشهيد ومن ستصف بالقتيل؟ وهل ستعتمد مصطلح «الدولة الإسلاميّة»، أم أنّها ستصف التنظيم بالإرهابي؟ يقول خاشقجي إنّ «الخلافات حول اختيار المفردات ستبقى مستمرةّ، ولن تنتهي النقاشات حولها في مكتب التحرير، فالأمر يخضع لضغوط بعض المشاهدين أيضاً. أميل إلى تسمية الأشياء بمسمياتها، ووضعها بين قوسين، ولكننا ننقل خبراً، وقائمة المفردات التي سنستخدمها في سياستنا التحريرية ستكون متحرّكة وتتأثر بالظروف، مع مراعاة الحياد قدر الإمكان».
السعوديّة أوّلاً
يأتي إطلاق «العرب» في لحظة إعلاميّة حساسة، بعدما غيّر الربيع العربي من تعاطي المشاهدين مع الفضائيّات الإخباريّة العربيّة الكبرى، وأفقدها جزءاً كبيراً من مصداقيّتها. يرى خاشقجي أنّ إحدى أبرز نتائج الربيع العربي كانت «تراجع الفضائيّات التي تبثّ للجمهور العربي من المحيط إلى الخليج، لمصلحة المحطّة التلفزيونيّة التي تهمّ قطاعاً أو سوقاً معيّنة، فالمشاهد التونسي على سبيل المثال تابع الانتخابات التونسيّة على قناة «نسمة».
من ناحية أخرى، يشير خاشقجي إلى أنّ «السوق الأكبر مالاً وقدرة عربياً اليوم، هي السوق السعوديّة، والجميع يسعى لتحقيق بعض المكاسب من هذه السوق، ونحن ندرك أهميّة ذلك، ونعمل من هذا المنطلق».
فهل يعني ذلك أنّ «العرب» تسعى لتكون محطّة خليجيّة فقط؟ يجيب: «سنغطّي كلّ أخبار العرب من المغرب إلى بغداد، لكنّنا سنحاول كسب السوق السعوديّة بالدرجة الأولى».
أبرز أهداف «العرب» هو العمل وفقط نمط الصحافة الاستقصائيّة، ويقول خاشقجي في هذا السياق: «أرى أن الصحافة الورقية ما زالت صانعة الخبر، والقنوات التلفزيونية تنقل عنها، وما أريده هو أن تكون قناة «العرب» هي صانعة الخبر».
فاتن حموي / السفير