إنّ تشريع الموت الرحيم في عدد من البلدان يدفعنا نحن المسيحييّن إلى تنظيم تحرّكاتنا من أجل تحسيس مجتمعنا على أهميّة الحياة. فالعلاج المطلوب للأشخاص المشرفين على الموت هو العناية الملطِّفة، وليس القتل الرّحيم. فهي تجعل الألم محمولاً في المرحلة الأخيرة من حياة الإنسان المريض وتؤمّن له مرافقة مناسبة لحالته تطال كل جوانب شخصه. من هنا لا داعي أن يخاف الأطبّاء من إستعمال الأدوية الّتي تخفّف الآلام حتّى ولو كانت تساهم في تقصير عمر المريض. هذا التصرّف لا يتعارض مع رغبة بعض المسيحييّن بالبقاء بوعيهم في آخر ساعات حياتهم لأسباب عائليّة وروحيّة.
العناية الملطِّفة تؤكّد مبدأ الحياة وتعتبر الموت مسيرة طبيعيّة من ضمن الحياة وهي تزيد نوعيّة حياة على عمر الإنسان وليس عمراً على حياته. هذه العناية لا تعالج نهائيّاً المرض ولكنها تخفّف من آلام المريض وكآبته وشعوره بالوحدة. العناية الملطِّفة ليست علاجات إستجمام، عندما لم يعد لدينا شيء نعمله، إنّما علاجات تساعد المريض على العيش بطريقة مختلفة أوقاته الأخيرة. فالحياة لا تزال حاضرة ولكن بطريقة أخرى. العناية الملطِّفة تؤمّن له مرافقة قريبة لأنّ له الحقّ بالموت بكرامة ولأنّ إنسانيّته حاضرة في حياته الأخيرة من دون أن نكون مجبرين على قتله لتحريره.
لما لا نعود إلى المعنى القديم لكلمة “أوتنازيا” والذي يعني الميتة الهبة أي العناية الملطِّفة. لماذا لا نساعد هؤلاء الأشخاص على العبور بكل هناء ليولدوا لحياة جديدة ولسعادة أبديّة ؟ لماذا علينا اللّجوء إلى القتل بإسم الشفقة والرحمة ؟ أليس لدى المجتمع وسائل أخرى للمواجهة ؟ هل يمكننا أن نتخيّل للحظة أنّ المجتمع البشري يستقيل من دوره ليسلّمه لأشخاص يقتلون باسم كرامة الإنسان ؟
لا يمكن للمسيحيّ أن يسكت عن هذه الإنتهاكات بحقّ الإنسان ولو بإسم الرّحمة والشفقة. إنّه مدعوّ للمدافعة عن كل إنسان وبخاصّة الضعيف والمهدّد في مجتمعه ومن أخيه الإنسان. عليه أن يقول أساس دفاعه ألا وهو إيمانه بيسوع الّذي أخذ ضعفنا ليظهر لنا ملكوته. أن نكون ضعفاء هو من صلب طبيعتنا البشريّة. فليس المطلوب عبادة حياتنا أو الإستهتار بها. لا يمكننا الوقوع لا في الكثير ولا في القليل ولا يمكننا أن نتكبّر على الجسد أو نحتقره. فالّذي يضمن الإحترام للحياة البشريّة هو الشخص البشري الّذي يجسّد الحضور والإنتباه والعلاقة. هذا الشخص لا يمكن أن يُفهم خارج الجسد الحيّ دون أن يكون ولا شك موازاة بينهما. يعطي الشخص البشري كل يوم شيئاً من حياته من أجل قضايا سامية. أحياناً يعطي حياته ليحافظ على الأساس. وهذا العطاء الذاتي غير مرتبط بالضرورة بقناعات دينيّة ولكنّنا نعتقد كمسيحيّن أنّ يسوع أعطى ذاته من أجل الإنسانيّة بفعل حرّ حبّاً بالآب وبالبشر.
أخيراً لا مجال لإكتشاف حقيقة حياتنا إلاّ تدريجيّاً من خلال مسيرة دؤوبة وملآنة من حضور الله. هذه الحياة تدعونا دائماً إلى الأمام وتحثّنا على التطلّع دائماً بأمل إلى واقعنا،كما تحثّنا على الحبّ الّذي يعلّمنا معنى العطاء ومعنى المشاركة.
زينيت